Site icon IMLebanon

رواية الجيش لـ»اليوم الأسود»: من الأرض الى البيانَين

 

 

تساؤلات عدة طُرحت في الأيام الأخيرة حول أداء الجيش في اختبار الطيونة المفصلي، وهناك من ذهب إلى وضعه في دائرة «الشبهة»… فما هي مقاربته لِما جرى؟ وهل صارت لديه رواية واضحة، أقلّه بالنسبة إلى الوقائع التي تتعلق به؟

تواصل مديرية المخابرات في الجيش تحقيقاتها في ملابسات يوم «الخميس الأسود» في الطيونة، وهي قطعت شوطاً لا بأس به في تجميع الخيوط المتصلة بمسرح الجريمة عبر الاستماع إلى الموقوفين وبعض العسكريين وشهود العيان، إضافة إلى التدقيق في ما التقطته كاميرات المراقبة.

 

ويسعى المحققون من خلال تجميع الاجزاء المبعثرة لمشهد الخميس الى تكوين رسم بياني لمسار الأحداث المتدحرجة وتسلسلها، مع التركيز خصوصاً على كشف سر الرصاصة الأولى ومن أطلقها وصولاً الى التطورات اللاحقة، وسط تشديد على أن كل الفرضيات تُدرس، «والهدف ليس زيادة الشرخ بل تحديد المسؤوليات»، كما يجزم المواكبون لمجريات التحقيق.

 

ولا يُتوقع أن يتولى الجيش الاعلان رسمياً عن نتائج التحقيقات عند انتهائها، بل هو سيحيلها الى القضاء المختص ليبنى على الشيء مقتضاه.

 

وبعيداً من التسريبات المتضاربة، يؤكد المطلعون ان المخابرات تحيط التحقيق بتكتم شديد، «وحتى قائد الجيش العماد جوزف عون يتفادى التدخل في مجراه والاستفسار عن تفاصيله، تاركاً للمحققين ان ينجزوا عملهم بعيداً عن اي مؤثرات جانبية».

 

وضمن هذا السياق يتواصل أيضا التحقيق مع العسكري الموقوف الذي ظهر في مقطع فيديو وهو يطلق النار على متظاهرين، وسط تأكيد القريبين من قيادة الجيش ان المؤسسة العسكرية حريصة على إجراء مراجعة ذاتية عند كل حدث تتصدى له، «وذلك لاتخاذ المقتضى في حال وجود أي خلل في تنفيذ المهمات، وبالتالي اذا تبين انّ العسكري المُشار اليه قد أخطأ فستتم محاسبته بالتأكيد ضمن الاطر الداخلية وفق الاصول المرعية الاجراء في الجيش المتمسّك بتطبيق مبدأ المُساءلة في صفوفه كلما اقتضى الأمر من أجل تقويم اي اعوجاج طارئ».

 

ويستبعد مواكبون لهذا الملف إمكان ان يكون قد حصل اختراق للجيش في الطيونة، مرجّحين ان إطلاق الرصاص من احد العناصر على محتجين، اذا ثبت حصوله، إنما ناجم عن سوء تصرف فردي وليس عن اختراق.

 

والى حين اكتمال المطالعة الرسمية لـ»جريمة الطيونة»، يكشف العارفون بعضاً من الوقائع المتصلة بحركة الجيش قبل وخلال وقوع الأحداث الدامية، لافتين الى انّ القيادة أرسلت قوة من وحدات المغاوير الى منطقة قصر العدل والشارع الرئيسي المؤدي اليها لمواكبة التظاهرة الاحتجاجية وحماية الامن، «وما تكليف المغاوير تحديداً بهذه المهمة سوى دليل على استشعار مُسبق بحساسية الوضع ودقته، لكن لم يكن لدى القيادة العسكرية او لدى الطرف المنظّم للتظاهرة معلومات او مؤشرات الى احتمال استخدام السلاح، بل كان الافتراض هو ان اي توتر محتمل لن يتجاوز حدود الرشق بالحجارة وإطلاق الهتافات المسيئة، او التضارب والتكسير، كما كان يحصل عموماً خلال بعض التحركات على الأرض في الآونة الأخيرة».

 

وتبعاً للأوساط القريبة من وزارة الدفاع، فإنّ الجيش بوغِت بدايةً بإطلاق النار الذي حصل، ثم حاول لاحقاً احتواء الوضع عبر تكتيك يمزج بين الحَزم والتأنّي بُغية السيطرة المتدرجة على الأرض من دون استخدام القوة المفرطة، «وذلك لحماية المدنيين المحاصرين في الأبنية والحؤول دون تعريضهم للخطر، وهذا ما يفسّر ان عملية ضبط الوضع تأخّرت قليلاً».

 

وفيما ذهب البعض الى اتهام الجيش بعد مجزرة الطيونة بأنه متواطئ او متخاذل ولم يكن حازماً وحاسماً في مواجهة مطلقي النار على المشاركين في التظاهرة، يعتبر المطلعون على ما يدور في المؤسسة العسكرية ان هذا الاتهام ظالم، مشددين على أن العماد عون «ظل يتابع شخصياً، ودقيقة بدقيقة، الوضع الميداني وكان على تواصل مستمر مع مدير العمليات لوقف التدهور والتهور». ويتوقف هؤلاء عند مقطع فيديو يُبيّن كيف انّ قوة من الجيش كانت تتفاوض مع مجموعة من المسلحين الغاضبين، لتهدئة روعهم وإقناعهم بالعودة من حيث أتوا، وهذا – في رأيهم – مشهد غير مألوف دفعَ جهات محلية الى انتقاد التساهل مع أولئك المسلحين بَدل التصدي لهم، «الا انّ الجيش مقتنع بأنه فعل الصواب لأنّ الحِكمة كانت تقتضي آنذاك استيعاب الغضب وليس صَب الزيت على النار المتأججة، فهل كانت المؤسسة العسكرية لتتصرف على هذا النحو لو انّ لديها حسابات مضمرة كما يظن أصحاب الاتهام؟» يسأل أحد المحيطين باليرزة.

 

ويؤكد المدافعون عن سلوك الجيش انّ «هاجسه في ذلك النهار المشؤوم كان تفادي انزلاق البلد الى فتنة طائفية وبدايات حرب أهلية، وبالتالي هو فعلَ كل ما يمكن أن يصبّ في هذا الاتجاه، خصوصاً انه يدرك انّ الواقع السياسي والطائفي المُحتقِن والازمة الاقتصادية الاجتماعية المتفاقمة يولدان تداعيات من شأنها تهديد الأمن والاستقرار في اي لحظة، الأمر الذي يستدعي البقاء في أعلى درجات اليقظة والجهوزية للتعامل مع كل الاحتمالات».

 

وماذا عن دوافع صدور بيانَين متضاربين عن الجيش في اوقات متقاربة؟ وهل زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركية الى العماد عون ساهمت في الدفع نحو تعديل الموقف؟

 

يعتبر مطلعون على قصة البيانَّين ان «التفسيرات التي أُعطيت لهذه المسألة مضخمة جداً ولا صلة لها بالحقيقة». ويلفت هؤلاء الى انّ «مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية وصلت إلى مكتب عون نحو الساعة الحادية عشرة، حيث استغرق اجتماعها به أقل من 20 دقيقة، إذ لاحظَت انه منشغل بالتطورات أمام قصر العدل وفي الطيونة، وانه يتلقى اتصالات هاتفية متلاحقة، فقررت اختصار الزيارة وغادرت بعد وقت قصير على حضورها، فيما صدر البيان الأول الذي يلحَظ حصول إطلاق نار على المحتجّين بعد مغادرة المسؤولة الأميركية مكتب قائد الجيش. اما البيان الثاني حول وقوع إشكال وتبادل إطلاق نار فأتى إثر توافر وقائع إضافية مستجدة، وكان المُراد منه اختصار مجمل تطورات النهار من دون الدخول في التفاصيل، وليس التنكّر لما سبق أن أعلنه الجيش قبل ذلك، والأكيد انّ الزائرة الأميركية لم تطلب اي امر في هذا الصدد»، وفق المواكبين لكواليس البيانين.

 

وإزاء التحديات المتزايدة التي تواجه الجيش، ينبّه العارفون الى انّ عديده آخِذ في التراجع نتيجة توقف التطويع منذ سنوات بالترافق مع ارتفاع نسبة المتقاعدين تباعاً والفارّين من الخدمة لأسباب اقتصادية، إضافة إلى وجود نقص في احتياجاته اللوجستية تحت وطأة الانهيار، «ما يستوجِب من السياسيين الذين يُلقون بالاعباء على المؤسسة العسكرية ان يعزّزوا قدراتها ويلبّوا متطلباتها حتى تستمر في حماية السلم الاهلي الذي يقرّ الجميع بأنها الضمانة الاساسية له».