Site icon IMLebanon

حين يسأل العسكريّ الذي قيل له أنت “السيادة” عن دوره

 

دولة لا دويلات وجيش لا جيوش

 

يملكُ 100 ألف مقاتل ويفتخر. الفلسطينيّون لديهم أيضاً، في مخيّماتهم، مقاتلون. في الجنوب 10,423 عنصراً وضابطاً في عداد اليونيفيل… البلد متخم “بالجيوش” وبالمسلحين و”ع راس السطح”. فهل علينا أن ننعي نهائياً الدولة في لبنان أم علينا ان نطالب من جديد بجيشٍ لبنانيّ واحد في دولةٍ لبنانية واحدة كي لا نصبح “رسمياً” لبنانات؟

 

وكأننا نتكلم مع “الحيط”. هو لا يسمع وهم أيضاً. والبلد نازل في مهوار سحيق ذي قعر مفتوح. فها قد أطلّ سيّد “حزب الله” ليؤدب، رافعاً الصوت والإصبع، منذراً متوعداً بقدراتِهِ العسكرية. فـ”هسّسسسس”، إصمتوا، كي لا يغضب الحزب الأصفر. لكن، هل نكون بذلك في دولة؟ هل نحن في أمان في بقعة مسماة “وطناً” فيها من يؤدب من يريد، ساعة يريد، ويُنذر الجيش والقضاء والحكومة؟

 

فلنبدأ من الأساس: ما هو مفهوم الدولة؟

 

البروفسور أنطوان مسره نشّف ريقه وهو يكرر شرح هذا المفهوم. هو قال: أكثر ما ينقصنا هو التربية على الشأن العام. نعم هذا ما ينقص الكثيرين: التربية. فالمعلم يقوم بشرح دروسه في شكل ممتاز ويُنجز الطلاب دروسهم وامتحاناتهم وينجحون. لكن، بعد خروجهم من القاعة يُخلّفون وراءهم الفوضى ويلطخون الجدران ويرمون الأوراق أرضاً. فهل هكذا يمارسون ما تعلموه؟ منذ أربعين عاماّ يتكلم البروفسور عن “الدولة” لا عن الدولتين، او الدولة والدويلة، وعن الجيش لا عن الجيوش. وعن الديبلوماسية لا عن الديبلوماسيتين. فالدولة إذا وجدت هي من تحتكر القوى العسكرية النظامية والعلاقات الديبلوماسية وهي التي تفرض الضرائب وتدير السياسات والجيش وتنظم القضاء وتفصل بين السلطات. هي الدولة. وهذا معناه حتماً أننا في أي شيء آخر لا في دولة.

 

حرام ما نعيشه. الفلسطينيون كانوا “ينغلون” بأسلحتهم في الجنوب والبقاع والشمال وفي المخيمات ومحيطها. وها هو “حزب الله” يُهدد: لدينا 100 ألف مقاتل “مهيكل”. ماذا يعني ذلك؟ أحد أتباع “الحزب” يزيد: نملك 100 ألف مقاتل لذا take care. فيضيف ثان: نملك 100 ألف معلنين أما في السوق السوداء فنملك مليوناً. فهل علينا أن نهلل؟ هل هذا معناه أننا أمام قوّة تقول للجبل: إنتقل فيفترض أن يذعن وينتقل؟

 

جيش وشعب ومقاومة… وهرطقة

 

العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، رئيس مجلس أمناء المؤتمر الوطني اللبناني، الجنرال خليل الحلو إستعاد البارحة مقولة من رؤيا يوحنا 21 سبق واستخدمها في معرض الأحداث وهي مناسبة جداً اليوم: “وأما الخائفون والقاتلون وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني”. فماذا عن تعليقه اليوم لمظاهر “فيض القوة” العسكرية لدى “حزب الله”؟

 

أكثر ما لفت العميد المتقاعد في كلام “الإستقواء” هو قول: نملك 100 ألف مقاتل من دون الأجانب. ويتحدث عن مقومات مطلوبة في أي دولة: “القانون والأنظمة” ويستطرد بالقول: “بالنسبة الى الجيش هناك قانون الدفاع المدني الذي يمنع وجود أي تنظيم مسلح غير شرعي لكن الهرطقة حصلت حين أطلقوا مقولة جيش وشعب ومقاومة وهذا مخالف تماماً للدستور وقانون الدفاع الوطني. فالجيش لديه النظام العسكري العام الذي يحدد له متى عليه فتح النار. هذا الجيش هو وحده من يمثل سيادة الدولة وحين تشاركه منظمات مسلّحة تبطل السيادة. فقرارات الحرب والسلم في دولة مثل لبنان، دولة تدعي ديموقراطيتها، يفترض أن يتخذ في مجلس الوزراء وليس الجيش اللبناني. فليس الجيش هو من يقرر فتح النار أما حماية المراكز العسكرية فلا تحتاج الى قرار سياسي إنما درجت العادة حين يكون هناك تقصير سياسي ما ويعجز الجيش عن إستيعاب إعتداء ما يتهم بالتلكؤ وحين ينجح يهب السياسيون لتلقف النجاح. هذا ما اعتاد السياسيون على فعله مع الاسف وفي الأزمات يتركون الجيش لحاله”.

 

يستغرب العميد المتقاعد أموراً كثيرة تطبق في لبنان بينها ذكر البعض أن مديرية المخابرات في الجيش اللبناني أجرت إتصالات مع السياسيين، علماً أن ذلك ليس من مهامها. عمل المؤسسات العسكرية تقدير المخاطر وتنبيه قيادة الجيش بإمكانية حصول شيء ما لكن يحصل أن “مستغلين” يدخلون على الخط دائماً وقت الإشتباكات المسلحة ويختفي المسؤولون والوزراء ويتركون الجيش وحيداً أما إذا نجح فيتبنون ما حصل”.

 

أول البارحة حكى سيد “حزب الله” عن 100 ألف مقاتل لديه وأجانب. لكن، هل هناك أحد المسؤولين سأله: من هم هؤلاء الأجانب؟ إيرانيون؟ برازيليون؟ بنغلادشيون؟ فرنسيون؟ فهل يعقل بحسب العميد الحلو أن يستعين تنظيم مسلح بأجانب ولا “خبر” لدى مجلس الوزراء بذلك؟”.

 

لبنان عائم على فصائل مسلحة، يتباهى “حزب الله” أنه أقواها. المسلحون الفلسطينيون منذ العام 1968 وحتى قبل ذاك العام، أي منذ الـ 1958 تسلقوا على أكتاف لبنان ليلعبوا لعبة “الأمن والعسكرة” لكن بعد إتفاق ضمني من قلب المخيمات قامت منظمة التحرير الفلسطينية بخطوات تجاه الدولة واعترفت بالخطأ الفادح الذي اقترفته. وهناك وثيقة سُلمت الى كل الجهات (بعد انتهاء الحرب) تنص على الأخطاء التي ارتكبها الفلسطينيون. لكن، حصل ذلك بعد أن دفع لبنان فاتورة كبيرة.

 

الجيش رمز السيادة

 

نعود الى الجيش اللبناني في ظل قتامة الصورة الراهنة. صحيح أن تلك المؤسسة العسكرية اقترفت أخطاء من خلال التعاطي مع المتظاهرين ورمي الغاز المسيل للدموع لكن، بحسب الحلو، لو كل “الدني” وقفت ضدّ الجيش اللبناني فنحن معه في السراء والضراء. فالجيش وحده، لا سواه، رمز للسيادة الوطنية.

 

رمز السيادة الوطنية يسمع من يتباهى بفائض قوته وقدراته في مواقع أخفق فيها الجيش اللبناني. تُرى ألا يؤثر ذلك نفسياً على العنصر العسكري الشرعي الذي نحن معه في السراء والضراء؟ يجيب العميد المتقاعد: “حين يلبسوننا البزة العسكرية يعلموننا أننا نحن السيادة، لذا، حين يسمع العسكر ما سمعوه من السيد نصرالله لا بُد أن يسألوا: ما هو دورنا؟ ما حدود دورنا؟ خصوصاً حين قال ان “حزب الله” هو من حمى المسيحيين والقرى في البقاع الشمالي وأن الجيش أتى لاحقاً. لا، هذا ليس صحيحاً، الجيش هو من حقق كل شيء. هو من واجه في معركة فجر الجرود. و”حزب الله” لو كان قادراً أن يواجه لما انتظر. الجيش اللبناني هو من قام بالمواجهة على أكمل وجه دفاعاً عن لبنان. الجيش هو من صان الحدود دائماً أما الباقون فهم ليسوا إلا مساحيق تجميل لا مبرر لها”.

 

“حزب الله” يتباهى بقدراته الكبيرة. يتباهى ويزهو بنفسه. وإذا كان لديه 100 ألف مقاتل من دون إحتساب الأجانب فإن الجيش اللبناني لديه نحو 70 ألفاً لكن، ليس العدد هو المهم، بل الأهم، بحسب العميد المتقاعد، أن قدرات الجيش اللبناني أعلى بكثير مما يظنه كثيرون. يملك الجيش اللبناني الطيران وقوة بحرية واسلحة ذكية وبالتالي ميزان القوة لصالح جيشنا اللبناني دائماً، حتى ولو كان هناك من يوهمون الناس بالعكس وبعدم قدرة الجيش على حماية لبنان.

 

لا فصيل مسلحاً في لبنان أقوى من جيشنا اللبناني. واللبنانيون، بغالبيتهم، لا ولن يشعروا بالأمان إلا بوجود الجيش اللبناني.

بهورات

 

ما رأي اللواء المتقاعد عصام أبو جمرا؟

 

أبو جمرا يعود الى الوراء قائلاً “نحن حذرنا من حكومة عملاء لا اختصاصيين ومن مسؤولين في السلطة يتلاعبون بالقانون ويستحدثون محاكم لإنتاج تسويات” ويضيف “لدى الجيش اللبناني 70 ألف عنصر وهو قادر على تطويع 200 ألف حين يشاء. أما السيد حسن، وأنا كنت الوحيد الذي يحضر حفلاته (خطاباته)، فارتكب أول البارحة خطأ كبيراً. كلامه دلّ الى ضعفٍ لا الى قوّة. لذا أنا حزين جداً لأنه، بما قال، بغضبه، ارتكب خطأ في حقّ نفسه أولاً. فإذا كان يملك كل هذا الفائض من القوة فليذهب ويحتلّ إسرائيل. فليذهب وليستعد مزارع شبعا. أنا لم أتخيل أبداً أنه سيستخدم تلك النبرة المرتفعة أكثر من اللزوم. آسف حقيقة أن أسمع من السيد نصرالله كل تلك “البهورات” وهو رجل دين ويملك الحنكة منذ أعوام طويلة. هو تجاوز بما قال السلطات والجيش والدولة ورئاسة الجمهورية. نسي على ما يبدو أنه رئيس حزب ليس إلا. نترك اللواء المتقاعد يتابع كتابة نصّ بيان التيار المستقلّ حول التطورات في لبنان. هو، مثل كثيرين، يكتبون، يعلقون، يحتجون، يطالبون. لكن، من يفترض أن يسمع أصمّ.

 

لبنان محشو بالسلاح؟ لبنان محشو بفائض القوة وهذا هو الأهم. فالمسلح إذا أقنع نفسه أنه “الخلاص” لبلدٍ وجماعات وطوائف، وبديل عن المؤسسات العسكرية الشرعية، نكون أمام الإنهيار الكلي. ونحن فيه. “حزب الله” قال انه هو من حمى المسيحيين. “حزب الله” قال انه قادر بمعاونة “الاجانب” على التأديب إذا شاء. “حزب الله” يقضم آخر مكوّنات الدولة، فهل ينجح؟