مشروع ورؤية للتكامل بين الجيش والشعب في الأمن والتنمية
على أبواب العام الجديد صارح قائد الجيش العماد جوزاف عون الجيش والشعب ليبعث رسالة متكاملة الأبعاد: أنّه ملتزم القيام بمسؤولياته ولن يتخلى عنها، وأنّ هناك خطوات عملية لمساعدة العسكريين على الصمود، وأنّه سيمنع الفتنة ولن يسمح بالعودة إلى الحرب، في خطابٍ يستحقّ التوقف عنده ودراسة مفاعيله الوطنية، مع إدراك الجميع أنّ الكارثة مستمرة والأزمة متواصلة نحو محطات أكثر صعوبة ومأسوية، مع ما يفرضه ذلك من تحديات أمنية واجتماعية ووطنية.
التحمّل الناجح للمسؤولية
المفارقة الأولى في خطاب قائد الجيش هي تمسّكه بتحمّل المسؤوليات الوطنية ورفض التراجع وعدم الاكتفاء بالتفرج على الأزمات، والمبادرة إلى مقاربتها بفعالية، وهذا يظهر للمرّة الأولى من قيادة المؤسسة العسكرية، حيث يبرز الحيّز الكبير الذي تشغله لمعالجة أوجه الأزمة بتكامل نادر بين الأمني والعسكري والاجتماعي والانساني، مع تأكيد الوحدة والتماسك الداخلي رغم الحجم الهائل للضغوط التي تواجهها قيادة الجيش لتأمين سبل الصمود والاستمرار للمؤسسة على مستوى تأمين احتياجات الضباط والأفراد وعلى المستوى اللوجستي والعملاني.
منع الفتنة والانقلابات والحرب
المفارقة الثانية، وهي لا تقلّ أهمية عن الأولى، وهي أنّ قيادة الجيش قرّرت تجاوز تحديات طالما أطلقها المعادون له، مثل احتمال الانقسام إذا قرّر مواجهة الحالات الانقلابية، فأكّد العماد جوزاف عون التصدي للفتن وإخمادها ومنع القائمين بها أو المستثمرين فيها من قطف ثمارها الخبيثة، وهذا يعني: منع الفوضى بأيّ ذريعة كانت، وتعطيل السلاح المنفلت في المناطق تحت عناوين مختلفة، ومنع استخدام السلاح غير الشرعي لفرض التغيير السياسي على سائر اللبنانيين، بعبارة أخرى: ممنوع تكرار انقلاب 7 أيار 2008.
ذكّر العماد عون الضباط بأنّ لبنان اليوم بحاجة إلى الجيش أكثر من أي وقت مضى، وحذّر من أنّ الفتنة هي على مسافة خطوات، لكنّه أكّد جازماً:»لن نسمح بوقوعها. وعلى العسكريين أن يدركوا أنّهم أمام مهمّة مقدّسة، فتجربة ١٩٧٥ كانت تجربة مريرة ولن نسمح بتكرارها، ولا أحد يقبل بعودة سيطرة الميليشيات والعيش تحت رحمة العصابات المسلّحة والإرهاب أو المخدرات».
حلول فاعلة لصمود العسكر
لم تكتف قيادة الجيش بتعزيز فكرة الصمود عند ضباطها وأفرادها، بل عملت على إيجاد الحلول التي تكفل للعسكر القدرة على الاستمرار في أداء مهماتهم الكبرى الملقاة على عاتقهم، فراعت ظروف العسكريين في ما يتعلّق بالجهوزية والخدمة، وشجّعت المبادرات التي قامت بها بعض الوحدات كاستثمار الأراضي الزراعية وإنشاء معامل إنتاج صغيرة لتأمين سلع للاستعمال اليومي، ووضعت خطة للنقل. فاشترى الجيش اشترى باصات وفانات، وستكون في الخدمة قريباً ما يحل مشكلة تنقّل العسكريين.
أما بالنسبة إلى الطبابة، فقد ذكّر العماد عون بأنّ الجيش ما زال يؤمّن أفضل الخدمات الطبية لعناصره رغم تردي الأوضاع، مؤكدًا السعي للحفاظ على مستوى هذه الخدمات، ومشيرًا إلى أنّ المستشفى العسكري بات يحتوي على ٥ غرف عمليات هي من الأحدث في الشرق الأوسط، وأهم مختبر دمّ، وأنّ العمل جارٍ حاليًا لتوسيع هذا المستشفى وزيادة قدرته الاستيعابية.
الإنجازات تُفشل حملات الاستهداف
لا يحتاج قائد الجيش إلى بيان سياسي ليوضح مساره الوطني، فهو يعمل بصمت ليترك إنجازاته تنطق بما يحقّقه للعسكر وللوطن، فتسقط حملات الاستهداف الشخصية وتلك التي تتطاول على المؤسسة العسكرية، وتتكسّر أمام عجز من يقف وراءها عن تحقيق أي نتائج ذات جدوى سوى التشويش الإعلامي والسياسي المكشوف.
لا بدّ من التنويه هنا بأنّ إدارة صمود الجيش تستند إلى عمل فريق متكامل في القيادة يعاون العماد جوزاف عون، سواء في المجال العسكري أو الأمني أو الإداري، للوصول إلى هذا الأداء الذي يستقطب اهتمام اللبنانيين والخارج على حدٍ سواء.
كيف يتكامل الجيش والشعب في الأزمة؟
ما يحتاجه الجيش اليوم التفاف شعبي يجب أن يعبِّر عن نفسه، لا أن يبقى طيّ الصدور، ولا حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل إنّ المجتمع ينبغي عليه أن يتفاعل بشكل مباشر مع المؤسسة العسكرية من خلال مبادرات خلاّقة تلاقي جهودها في سبيل حفظ الأمن والاستقرار، لأنّ فقدان هاتين النعمتين سيعني انهيار ما تبقى من الدولة وسقوط الشعب في دوامة الفوضى القاتلة.
إنّ أهمّ عناصر التماسك الاجتماعي هو إدراك الشعب أهمية الجيش في هذه الأزمة الخطرة، في أدواره المتكاملة التي يقوم بها، وإسناده في مهامه بحيث نصل إلى حالة التحصين الوطني في وجه أشكال الخروج على القانون، لذلك على اللبنانيين التفكير في المرحلة المقبلة في ابتداع وسائل للصمود تقيهم الارتطام العنيف، ومن أهم هذه الوسائل التكامل الجيش، وقد يكون ذلك من خلال إنشاء شبكات تنسيق وطني تعمل في المجالات المختلفة.
تعزيز الوعي الوطني
تعزيز الوعي الوطني من خلال التصدي لموجات التحريض الطائفي والمذهبي ومنع استغلال هذا العامل لإثارة الضغائن والأحقاد، وإسقاط هذا السلاح من أيادي مستخدميه الذين يعيشون على الفتن ويستثمرون في الفوضى لاستكمال مشروع ضرب الدولة اللبنانية وإسقاطها لصالح مشاريع الهيمنة الإقليمية السوداء.
تعزيز الاعتبار للجيش كضامن للديمقراطية وللحريات في لبنان، بعد أن كشفت أحزاب السلطة عن نواياها في ضرب الاستحقاق النيابي والرئاسي حتى تتمكن من التمديد لنفسها، لتجنّب خسارة الأغلبية التي حصلت عليها بالإكراه والالتفاف غلى القانون والدستور، خاصة أنّ الجيش حمى نفسه من الانزلاق إلى مأزق قمع الناس منذ 17 تشرين حتى اليوم، مع وجود بعض الخروقات الناجمة عن الاضطرابات الميدانية وعن الضغوط الهائلة لأركان التحالف الحاكم، لكنّه في الإجمال حفظ الحريات والانتظام العام من دون أن يتمكن المتربصون من تحويله إلى جيش قمعي آخر لمحور الممانعة الممتدّ من طهران إلى بيروت.
التعاون لحفظ الأمن الاجتماعي
التضامع والتعاون مع الجيش في حفظ الأمن الاجتماعي ومواجهة الأزمات اليومية والتجاوب مع مبادراته، مثل تلك التي سعت للتخفيف من وطأة فقدان المحروقات وتنظيم حضور الناس إلى المحطات، رغم الصعوبات التي واجهت مثل هذه المبادرات، إلاّ أنّ الأهم هو مساندة الجيش في مساعيه لمحاصرة آفة المخدرات وما يتفرّع عنها من مآسٍ إنسانية واجتماعية، وهذا الاتجاه يحمي العائلات، بقدر ما يخفّف عن الجيش أعباء هذه المكافحة التي لا تعتبر من مهماته الأساس، لكنه أصبح في قلب المواجهة لأنّ التصدي لها أصبح أولوية وطنية، وهذا يستوجب من الجمعيات والمؤسسات الأهلية المتخصصة أو المسانِدة لها في هذه الحرب على المخدِّرات التنسيق فيما بينها للوصول إلى خطط مشتركة أكثر فاعلية في هذه المواجهة، والتعاون مع الجيش وباقي القوى الأمنية لمحاصرة المافيات التي تضرب المجتمع بها.
التكامل في الإغاثة والإنماء
توسيع نطاق التعاون بين المجتمع المدني والجيش ليشمل الجوانب الإنمائية والاجتماعية، في عمليةٍ تكاملية يحتاجها الشعب اللبناني من خلال تفعيل البرامج التنموية لدى الجيش، وهي موجودة أصلاً، بالتعاون مع الجهات الدولية وبالشراكة مع المؤسسات المحلية الناشطة في ميادين الخدمة الطبية والاجتماعية والإغاثية والتنموية، وهذا يخلق مساحات جديدة للعمل في مواجهة تداعيات الأزمة، ويتيح الفرصة للتخيط لمشاريع ذات طابع مستدام تؤسّس للاستقرار وتوفير الأمن الغذائي والصحي، معزَّزاً بعوامل الشفافية والاحتراف والانتشار على كامل التراب الوطني.
معاً في مواجهة الإرهاب
في مجال مواجهة الإرهاب، يصبح التنسيق أكثر ضرورة وإلحاحاً، وهذا يستلزم مجموعة خطوات أهمها:
– أن تتحرّك دار الفتوى لوضع خطة عاجلة تستنفر فيها مؤسساتها، الاجتماعية والوقفية وخطباءها ومدرسيها، وفي المقدمة مفتيها في المناطق، للتوعية والإرشاد والتصدي للفكر المتطرف بالطرق الشرعية والعلمية، وتنظيم دورات خاصة بهذا المجال للإفادة من التجارب السابقة في لبنان والعالم العربي، ولو اقتضى ذلك الاستعانة بالمرجعيات الإسلامية الكبرى مثل الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية والاجتماعية في السعودية ودول الخليج، التي خاضت وتخوض مواجهات ناجحة مع الإرهاب بأشكاله المختلفة.
– أن تتعاون الهيئات والجمعيات والحركات الإسلامية مع دار الفتوى للوصول إلى موقف موحد وجامع ومعلن وصريح من مسألة الإرهاب، لا يترك مجالاً للمناورة ولا مساحات رمادية ملتبسة، ويعلن شراكتها في تحمّل مسؤولية الدفاع عن الفكر الوسطي المعتدل الذي تعتنقه، لكنّها مع الأسف لا تدافع عنه كما يجب أن تفعل، فهذه حرب طويلة بين الأمة الوسط وكلّ أشكال الخروج عليها من تطرف وإرهاب، ولم يعد الوضع يحتمل مجاراة المتنطعين من أصحاب الرؤى القاصرة والمجتزأة، لأنّ السكوت عليهم أورد مجتمعنا المهالِك.
– أن تقام ورش عمل مشتركة تجمع دار الفتوى والمجتمع الأهلي، وفي مقدمه الجمعيات والهيئات الإسلامية، مع الجيش وبقية القوى الأمنية لوضع أسس التعاون في التصدي للآفات التي تضرب المجتمع وعلى رأسها الإرهاب، وطبعاً المخدرات وغيرها، على قاعدة تحصين المجتمع والإفادة من الأخطاء التي رافقت المراحل السابقة وما شهدته من ظلم واضطهاد جماعي لشرائح واسعة من المواطنين بذريعة الاشتباه والأمن الوقائي.
إنّ التواصل المفتوح بين الهيئات والمجتمع الأهلي والجيش، من شأنه أن ينهي تلك المرحلة ويعالج تداعياتها ويفتح صفحة جديدة من التعاون في سبيل تحقيق الصالح العام.
التكامل الإسلامي المسيحي
إنّ طبيعة الأزمة الراهنة تستوجب أن تنطلق مبادرات للتعاون بين المؤسسات الدينية والاجتماعية الإسلامية والمسيحية بالتنسيق مع الجيش، لترسيخ خطاب وطني جامع في إدارة الأزمة، وفي سبيل تفعيل الجهود لتقديم المساعدات للشرائح الأكثر فقراً في البلد، وخاصة في المناطق التي تعبث فيها أيادي الفتنة وتحاول بعث أشباح الإرهاب.
يجب أن يصبّ كلّ ما تقدّم من أفكار في هدفٍ واحد هو الحفاظ على التماسك الاجتماعي وعلى الروح الوطنية والتسمك بالدولة ومؤسساتها الشرعية وعلى رأسها الجيش، بالتوازي مع مبادرات لتخفيف الأزمات المعيشية على المواطنين، ونعتقد أنّ انفتاح المجتمع العربي والدولي على الجيش، وبحثه عن سبل إغاثة الشعب اللبناني سيصبح أكثر نجاحاً بوجود هذه المبادرات التكاملية بين الجيش والمجتمع.
معادلتنا واضحة:
ما نقدمه في هذه المقاربة ليس محاولة لتجميل الواقع السيء، أو لتقديم الإشادة بالجيش وقيادته، فالأمر جَلَلٌ ولا يحتمل المجاملات وحفلات التكاذب التي اعتاد عليها البعض، بل هي القيامُ بواجب المساهمة الفكرية والإعلامية في الإضاءة على نقاط القوة الوطنية الكامنة في شعبنا وجيشنا، بعد أن أصبح واضحاً أنّه لم يعد أمام اللبنانيين من مخرج سوى تنظيم الركوب في سفينة إنقاذ لا يقودها قراصنة السلطة، وتتولاها بحكم الواقع، قيادة الجيش للوصول إلى برّ الأمان في السياسة والاقتصاد والاجتماع.
نقترب من الجيش بقدر ما يقترب من الناس، ونتضامن معه بقدر ما يحتضن الشعب، ونتعاون معه بكلّ فخر واعتزاز، ما دام يحمي الحق ويمنع الظلم من الوقوع على الضعفاء، وما دام يسعى للعدالة سعيها، ويقيم للوحدة الوطنية أركانها ودعائمها، وعلى هذا الأساس كانت هذه الرؤية للتكامل بين الجيش والشعب.