إذا كان الانهيار الكبير قد عصف بمختلف القطاعات فإنّ اللافت انّ معظم القوى الداخلية والخارجية تلتقي، على رغم نزاعاتها واختلافاتها، عند ضرورة إبقاء الجيش متماسكاً إزاء واحدة من أعتى الأزمات التي مرّت على لبنان.. ولكن هل يكفي ذلك لتكتسب المؤسسة العسكرية الحصانة الضرورية فيما كل شيء من حولها يتداعى؟
يواجه الجيش في هذه المرحلة رزمة من التحدّيات المتلازمة التي تبدأ من انعكاس الأزمة الاقتصادية على صفوف عسكرييه ولا تنتهي عند استحقاق حماية أمن الانتخابات النيابية مروراً بالأمن الاجتماعي المترنح بقوة، وملف النازحين السوريين الذي يشكّل في بعده الأمني تهديداً مستمراً.
وسط هذا الواقع الذي تزنره «قنابل موقوتة» من كل الجهات، لم تقف حالات الفرار من الجيش عائقاً أمام تنفيذ المهام المتشعبة، ولكن ما يجدر التوقف عنده، هو العمل الرديف لبعض العسكريين، والذي يشكّل ظاهرة غير مألوفة فرضتها الأزمة الاقتصادية، مع الإشارة الى انّ اعتماد هؤلاء هذا الخيار القسري لاتقاء العوز، لم يمنعهم من الالتزام بمقتضيات الخدمة العسكرية، وإن يكن من يعمل في مكان إضافي يعود إلى مركز خدمته وهو مثقل بهموم معيشته.
ومع انّ هذه الظاهرة الطارئة تخالف القوانين المرعية الإجراء، الّا انّ اليرزة تقاربها بواقعية وتفهم، مراهنة على أنّ ولاء العسكريين للجيش يبقى أقوى من أي رابط مستجد لأسباب قاهرة، بالترافق مع سعيها في الوقت نفسه الى الإحاطة بأحوالهم قدر المستطاع.
وتجدر الإشارة الى انّه سبق أن جرى توزيع 100 دولار لمرة واحدة على جميع العسكريين من تبرعات وهبات كانت موجودة في حساب الجيش، كذلك تمّ تحويل أموال لخدمة العسكريين في المجال الصحي.
ويحاول الجيش ان يقلّص تأثير الانهيار الذي اصاب الدولة على مهامه الميدانية التي لا تتحمّل «التقشف»، وهذا ما عكسه انتشار عناصره أمام معظم الكنائس في كل لبنان خلال عيد الفصح وفق التقويم الغربي، وهو مشهد سيتكرّر مع حلول الفصح الشرقي، وكذلك خلال عيد الفطر، حيث ستتمّ حماية المصلين في المساجد، مع ما يرتبه هذا الانتشار الواسع والمتلاحق من أعباء كبيرة.
وعلى وقع اقتراب موعد الاستحقاق النيابي في ايار المقبل، تفيد المعلومات انّ الجيش يضع اللمسات الأخيرة على خطة حماية الانتخابات النيابية، والتي ستكون شبيهة بتلك التي جرى اعتمادها عام 2018، من حيث تغطية محيط مراكز الاقتراع على امتداد الجغرافيا اللبنانية في يوم واحد، وسط تأكيد القريبين من اليرزة انّ الجيش يقف على الحياد التام في الانتخابات النيابية وليس لديه اي مرشحين.
اما بالنسبة إلى الوضع الميداني، فقد عُلم انّ اكثر ما يقلق الجيش في هذه الفترة هو اهتزاز الأمن الاجتماعي على نحو متزايد ومتفاقم، بفعل تمدّد الفقر المدقع الذي ينعكس ارتفاعاً في معدلات جرائم السرقة والقتل.
كذلك، يبقى ملف النازحين السوريين موضع مراقبة حثيثة من الجيش الذي يخشى من» التداعيات الصامتة» لهذا الملف، خصوصاً انّ الوقائع المتوافرة لديه تفيد بأنّ حوالى 30 الفاً من الولادات هي مكتومة القيد وانّ 40 بالمئة من الموقوفين في السجون اللبنانية هم سوريون.
من هنا، يُبقي الجيش عينه مفتوحة على مخيمات النزوح، خصوصاً على الأماكن التي يمكن أن تكون موضع شبهة، ولكنه لا يخفي انّ من الصعب ان يراقب يومياً مليون ونصف مليون نازح، اي ما يعادل شعباً آخر، وبالتالي، في رأيه، انّ من واجب السلطة السياسية ان تضع معالجته بين الاولويات الملحّة.
وعُلم انّه سبق للجيش ان طلب من الجهات المعنية ان تخفف الأعباء عنه، عبر تولّي كل بلدية ضمن نطاقها الجغرافي رصد اي تحرك مشبوه في تجمعات النزوح، وتكليف شرطتها بأعمال المراقبة والحماية، الاّ انّ قلة فقط تجاوبت مع هذا الاقتراح.
وفي ما خصّ الكبتاغون الذي شكّل إحدى مواد الأزمة الأخيرة مع الخليج، فإنّ تقارير الجيش تفيد انّ صناعته وتهريبه عبر لبنان هما من اختصاص مجموعات سورية تتقن التصنيع، واستطاعت بالتعاون مع لبنانيين تسويق هذه الآفة، ويجري تقفي أثرها ومداهمة مقارها كلما سنحت الفرصة.
وعلى رغم الاشتباك الدامي الذي وقع اخيراً بين عائلتين في طرابلس، الّا انّ الجيش مطمئن الى انّ الأمن في المدينة تحت السيطرة، خصوصاً بعد التوقيف الفوري لعدد من المتورطين، في إشارة منه الى انّ الهيبة هي أساس الأمن.
وضمن السياق نفسه، يواصل الجيش المداهمات المتنقلة في الضاحية الجنوبية والبقاع، في إطار ملاحقة المطلوبين للعدالة ومرتكبي اعمال الخطف والسرقة التي ارتفعت وتيرتها خلال الأسابيع السابقة.