IMLebanon

كيف يسمح عون لباسيل باستهداف الجيش؟

 

 

بنى العماد ميشال عون منذ العام 1988 زعامة على أكتاف البزّة العسكرية. كان الجيش المؤسسة التي تخاطب المشاعر والثوابت، فهذه البزّة التي تاق إليها اللبنانيون منذ 1975 إلى العام 1988، تصدرت مع العماد عون مشهد استرجاع الشرعية والأمن الرسمي، فكان أن جرفت ولاء أغلبية كبيرة من اللبنانيين شرقاً وغرباً وبقاعاً وجنوباً وشمالاً، وتوّجت عون بطل استعادة الجمهورية والشرعية، من خصمين، داخلي متمثل بقوى الأمر الواقع، وخارجي متمثل بالنظام السوري الذي سيطر على معظم المناطق اللبنانية باستثناء بقعة كانت تسمى المنطقة الشرقية.

 

دور البطولة رافق العماد عون حتى بعد لجوئه إلى السفارة الفرنسية، بعد دقائق من هجوم الجيش السوري على بعبدا، واحتفظ عون برمزية البزّة العسكرية، على الرغم من أن الخسارة في 13 تشرين 1990 كانت باهظة ومؤلمة دفعها جنود وضبّاط شجعان رفضوا الاستسلام، ولم يكن معظمهم يعرف أن المعركة انتهت في السفارة الفرنسية قبل أن تبدأ في سوق الغرب وضهر الوحش والحدث والكحالة.

 

واحتفظ عون بهذه الرمزية بعد عودته من فرنسا، ذلك على الرغم من أن قادة عدة تعاقبوا على القيادة، لكنه كان يتصرف كأنه القائد الأعلى الدائم للمؤسسة العسكرية، وفي أحد توجيهاته لقائد الجيش السابق جان قهوجي أمره بعدم إنزال الجيش منذراً بكلمة «إيّاك». وحده العماد ميشال سليمان في تلك الفترة كان يعرف كيف يقول لا لهذا النوع من الهوبرة.

 

لم يختلف الأمر بعد تعيين العماد جوزاف عون قائداً للجيش، فمنذ اللحظات الأولى كان ارتياب بأن الجيش يجب أن يبقى تحت السيطرة، وبأن ما يطلب يجب أن ينفذ، وكان ما يطلب في معظم الأحيان غير قابل للتنفيذ وإلا تداعى دور الجيش وتحول جيش السلطة في مواجهة الناس، وهذا ما لا يمكن لأي قائد جيش أن يقبله.

 

كان جبران باسيل وما زال المرتاب الأكبر من القيادة الجديدة وسريعاً عبّر عن ارتيابه بمحاولات عبر وزراء دفاع متعاقبين للتضييق إدارياً على الجيش وقائده، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل شنّت حملات مبطّنة وواضحة للنيل من المؤسسة، والطعن في أدائها، والأخطر عندما وصل الارتياب إلى التحريض بما يتصل بعلاقة المؤسسة مع الدول المانحة، وكل هذا السيناريو سببه الارتياب من تراكم رصيد الجيش في الداخل والخارج.

 

قبل 17 تشرين 2019 كانت التقديرات الأمنية تقود إلى توقع حصول انفجار شعبي، وكانت التوجيهات لدى الجيش حفظ الأمن، أما الخط الأحمر الممنوع تجاوزه، فكان سقوط الدماء والحفاظ على التظاهرات السلمية ومقرات الدولة، ومرّ الجيش بحقول ألغام كثيرة لكنّه نجا من معظمها، والنتيجة: المزيد من التراكم في قدرته والثقة بقيادته، في مقابل المزيد من الاهتراء في صورة الطبقة السياسية.

 

عندما غرق المركب واتهم الجيش، كان باسيل أول الحاملين لـ»قميص طرابلس»، وكان يريد ضبط قيادة الجيش باتهام إغراق المركب، ووصل به الأمر إلى حد الايعاز بإصدار «تويت» عن القصر الجمهوري «باستدعاء» قائد الجيش إلى محكمة مجلس الوزراء، ولولا انقلاب السحر على الساحر على طاولة الحكومة، لوصل الأمر إلى حد ترتيب محاكمة للجيش، لكن الصورة انقلبت رأساً على عقب.

 

تصرف الرئيس عون في البداية مع ارتياب باسيل تجاه الجيش بشيء من التوازن الذي فقد في ما بعد. أمّن الجيش رحلات باسيل التي زرعت الاضطراب في الجبل وطرابلس وغيرها من المناطق. وأمن الجيش منذ العام 2019 استقراراً نسبياً رغم الغليان الشعبي، استفاد منه عهد الرئيس عون، لكن في المقابل، أطلق رئيس الجمهورية العنان لصهره في استهداف الجيش، وآخر فصول هذا الاستهداف الاتهام بمأساة المركب الغارق، فكيف يوفق عون بين أبوّته للمؤسسة العسكرية من جهة، والاستهداف لها على يد أقرب المقربين. جواباً على ذلك لا بد من العودة إلى العام 1988، من ذلك التاريخ وإلى اليوم، لم يتوقف عون عن التصرف وكأن المؤسسات، سواء الرئاسة أو قيادة الجيش، مطوّبة له بصك ملكية غير قابل للكسر.