لم ينعكس إجراء الانتخابات النيابية إيجاباً على الأزمة النقدية – الاقتصادية – الاجتماعية التي تستفحِل أكثر، فغداة اليوم الانتخابي ارتفع سعر الدولار مجدداً وتخطّى الـ30 ألف ليرة، ما ينعكس ارتفاعاً في أسعار كلّ المواد الاستهلاكية، ومنها الأساسية من مواد غذائية ومحروقات، فباتت الرواتب لا تكفي لتأمين «لقمة العيش»، ما يُطاول جميع المواطنين، ومنهم موظفو القطاع العام مَدنيين كانوا أو عسكريين. وفيما تبقى المؤسسة العسكرية المؤسسة العامة الوحيدة التي تحظى بثقة الشعب اللبناني، والتي لا تزال تؤدّي مهمتها بإخلاص وتفان، إلّا أنّ استمرار الجيش بقدرة وتماسُك لا يتحقّق من دون الحاجات اللوجستية الأساسية، فالعسكر من لحم ودم ومهمات الجيش تحتاج أقلّه الى المحروقات وأساسيات التنقل والانتشار للحفاظ على الأمن والاستقرار على مساحة الـ10452 كلم2.
بعد «حمايته» الاستحقاق الانتخابي النيابي بنجاح، ومواصلته ضبط الأمن من الحدود الى الداخل، يدقّ الجيش «ناقوس الخطر»، فالوضع المأساوي فاقَ قدرة التحمُّل والاستمرار. وعلى رغم انّ قيادة الجيش تتمكّن من الحفاظ على تماسك عديده وتجهد لتعزيز صمود العسكريين بشتى الوسائل والمساعدات، إلّا أنّه كيف لجيشٍ أن يؤدّي مهمته من دون مواد غذائية ومحروقات؟
وعلى رغم أنّ الجيش اللبناني متمسّك بتأدية مهماته كافة بصلابة وإرادة وبتوجيهٍ من قيادته، إلّا أنّ وضع المؤسسة العسكرية بات صعباً ومُقلقاً، إذ إنّ الدعم المادي الذي تتلقاه محدود، ولا دعم مالياً نقدياً مباشراً لعديدها، وفي حين سبق أن طالبت القيادة بمساعدات مالية للعسكريين من جهات دولية، إلّا أنّ هذا الموضوع لا يزال قيد الدرس. هذا في حين يأتي الدعم الأميركي على مستوى السلاح والأساسيات، فيما تتلقّى المؤسسة بعض المساعدات الخارجية لتأمين المحروقات وقطع الغيار، لكن هذه المساعدات على أهميتها تبقى غير كافية ولا تلبّي الحاجات المطلوبة.
كذلك تعتمد المؤسسة على الهبات التي تصلها من لبنانيين مقيمين وغير مقيمين الذين لديهم إيمان وثقة في الجيش، وانطلاقاً من معرفة القيادة أن لا قدرة لديها على أن تقدّم للعسكريين إلّا الطبابة، توظّف هذه الهبات كلّها في الاستشفاء والطبابة لتطويرها ولكي تليق بالعسكري. ولتعزيز صمود العسكريين أيضاً، اشترت المؤسسة العسكرية 160 «باصاً» من خلال مساعدات خارجية، ووضعتها في الخدمة للوحدات العملانية، بعد أن كان النقل المشترك مؤمّناً منذ زمن للوحدات الثابتة، وسيستمرّ الجيش في شراء عدد إضافي من الباصات في المرحلة المقبلة. كذلك يتلقى الجيش مساعدات غذائية من بعض الدول، الثابت منها شهرياً هو من دولة قطر فقط.
وفي حين تواصِل قيادة الجيش السعي الى تأمين مزيد من حاجات المؤسسة العسكرية، تبقى حاجات الجيش الأكثر إلحاحاً الآن، الغذاء والفيول وقطع الغيار، وهذا الأهم بالنسبة الى قيادته التي تركّز على بقائه صامداً ومتماسكاً، لإمرار هذه المرحلة، خصوصاً أنّ البلد مُقبل على استحقاقات مهمة، والتخوّف من الفوضى قائم. لذلك، «كلّ همّ القيادة أن يبقى الجيش لكي يبقى البلد، فإذا تَضعضَع ستكون هناك مشكلة كبيرة، وبلا جيش متماسك ليس هناك من بلد متماسك». وانطلاقاً من ذلك، تتصرّف قيادة الجيش بطريقة حكيمة لكي يبقى ممسوكاً وقادراً على الصمود.
وعلى رغم كلّ هذه الظروف والحاجات، لا يزال عدد العسكريين الفارّين محدوداً جداً ومقبولاً تجاه الوضع العام، بحسب مصادر عسكرية، علماً أنّ كثيراً من هؤلاء العسكريين يقدّمون طلبات استرحام ليعودوا الى الخدمة لأنّهم لا يجدون ملاذاً لهم الّا المؤسسة العسكرية. لكن تبقى المشكلة الأساسية في المرحلة المقبلة أنّ الوضع الاقتصادي سيؤثّر سلباً أكثر فأكثر على الجيش، فعلى رغم الإرادة الثابتة لدى «حامي الوطن» بالاستمرار في مهمته الوطنية على كلّ مستوياتها، تواجه المؤسسة العسكرية «تحدّي الاستمرار»، وتحتاج الى دعم لوجستي ضروري وملحّ على مستوى المواد الغذائية والمحروقات، إذ في ظلّ موازنة محدودة جداً، قد يكون الجيش مُقبلاً على مشكلة كبيرة، تتمثّل بفقدان الغذاء والفيول. فهل من يسمع ويتحرّك من السلطة السياسية، في مرحلة حافلة بالتحديات والاستحقاقات، أم أنّ الجيش سيُترك لمصيره ما يضع الوطن أمام مصيرٍ مجهول قد يبدأ بالفوضى ولا ينتهي بالتفكُك؟