Site icon IMLebanon

“حزب الله” والجيش: حماية ظهر “المقاومة”

 

 

لا تتوقّف علاقة «حزب الله» بالجيش اللبناني على ما يُحكى اليوم عن علاقته بهذا الجيش وبقائده العماد جوزاف عون. المسألة أبعد من ذلك بكثير لأنّها تعود إلى نظرة «حزب الله» إلى هذا الجيش كمؤسسة عسكرية رسمية مهمّتها حماية لبنان في أمنه الإستراتيجي الخارجي والداخلي يمكن أن تنافسه في دوره وفي أسباب وجوده ووجود سلاحه. ولذلك يريد «حزب الله» من هذا الجيش أن يحمي ظهر «المقاومة» تماماً كما يريد الشيء نفسه من رئيس الجمهورية. فكيف إذا اجتمع الجيش والرئيس في شخصٍ واحدٍ هو قائد الجيش العماد جوزاف عون؟

 

حتى عندما يُحكى عن استراتيجية دفاعية للبحث في قضية سلاح «الحزب» ينحصر الخيار في وضع هذا السلاح تحت إمرة الجيش اللبناني، وعندما يُحكى عن أيّ مواجهة عسكرية في الداخل لا يُحكى إلّا عن صدام بين الجيش و»حزب الله» على قاعدة أنّه لا توجد أيّ قوّة أخرى مسلّحة يمكن أن تدخل في مواجهة عسكرية مع «الحزب» الذي يمتلك وحده ترسانة كبيرة من الأسلحة وعدداً كبيراً من العناصر المدرّبة على القتال خاض من خلالها معاركه الأساسية والكبيرة في سوريا منذ العام 2011 ولا يزال، بعد خمسة أعوام على خوضه حرب تموز 2006 ضد إسرائيل في الجنوب وتقيُّده بعدها باتفاق وقف النار وبقواعد الإشتباك التي تفرض نفسها على الأرض وتتقيّد بها إسرائيل أيضاً.

 

لا فيتو؟

 

عندما يتحدّث «حزب الله» عن العماد جوزاف عون وترشيحه إلى رئاسة الجمهورية لا يتحدّث عنه مباشرة. وعندما يحدّد موقفه من الترشيحات لا يحكي عنه مباشرة. يقول إن لا فيتو لديه على اي من المرشحين ولا يحدّد جوزاف عون بالإسم وحده من بين هؤلاء المرشحين ولكنه في الوقت نفسه يروّج أنّه مع مرشّح وحيد هو رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقد طلب أمينه العام السيد حسن نصرالله من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أن يدعم هذا الترشيح خلال استقبالهما الى أفطار وخلال لقاء آخر مع باسيل لوحده.

 

يدرك «حزب الله» منذ انطلاقته بهذا الإسم رسمياً في العام 1985 أنّ منافسه الرئيسي هو الجيش اللبناني. مرّت علاقته مع هذا الجيش بكثير من المحطات الإيجابية والسلبية تبعاً لتصرّف قيادة الجيش في كلّ مرحلة على مدى أربعين عاماً من تاريخ «حزب الله» ونشأته تحت أسماء مختلفة في العام 1982. كان «الحزب» في انطلاقته لا يفصل بين الجيش اللبناني وبين القوى التي يعتبرها عدوّة له خصوصاً أنّ الجيش كان بقواته الأساسية وبقيادته في المناطق الشرقية مع العماد ابراهيم طنوس، وقد كانت أولى المواجهات معه في الضاحية الجنوبية قبل حرب الجبل وقبل عملية 6 شباط 1984 في بيروت. حتى عندما أصبح العماد ميشال عون قائداً للجيش لم تتغيّر نظرة «الحزب» إلى المؤسسة. كان عون بالنسبة إلى «الحزب» لا يختلف عن «القوات اللبنانية» مثلًا وعن «محور الشر» الأميركي الإسرائيلي. ولم يكن مستغرباً مثلاً أن يتحدّث اللواء جميل السيّد حديثاً، عن مرحلة تصفية «الحزب» عندما كان بقيادة الشيخ صبحي الطفيلي، لعدد من ضباط الجيش في البقاع وعن محاولة اغتياله شخصياً في سعيٍ منه للسيطرة على ثكنات الجيش وإبعاده عن المنطقة وقد تمكّن فعلاً من السيطرة على ثكنة الشيخ عبدالله وفشل في السيطرة على ثكنتي أبلح ورياق.

 

«الأميركان» والجيش

 

لم تبدأ علاقة الجيش اللبناني بالإدارة الأميركية مع جوزاف عون. كانت هذه العلاقة موجودة منذ تأسّس الجيش اللبناني ولكنّها تفعّلت بشكل كبير بعد العام 1982 مع العماد ابراهيم طنوس وفي ظل رئاسة الرئيس أمين الجميل في مرحلتها الأولى قبل العام 1984. خلال عامين تمّت إعادة بناء الجيش على قواعد عسكرية جديدة، وخلال هذه المرحلة كانت تجربة قوات المارينز في لبنان التي أرسلت أيام الرئيس رونالد ريغن بعد الإجتياح الإسرائيلي في العام 1982 ولا يزال تفجير مقرها قرب مطار بيروت في 23 تشرين الأول 1983 نقطة عالقة في العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وبين «حزب الله». صحيح أنّ واشنطن سحبت قواتها من لبنان مطلع العام 1984 ولكن دعمها للجيش اللبناني لم يتوقّف. عندما يتحدّث الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله عن الخبراء الأميركيين الذين «يسرحون ويمرحون» في اليرزة مع السفيرة الأميركية فهذا الأمر لا يقتصر على لصق هذه الظاهرة التهمة بالقيادة الحالية تحديداً، ذلك أنّ واشنطن ملتزمة دعم الجيش اللبناني بشكل ثابت وهي التي تقدّم له هذا الدعم بالآليات والخبرات. وإن كان هذا الدعم هو الأكبر والأقدر على تأمين إستمرارية الجيش في القيام بالمهام المطلوبة منه، فإنه لا يلغي الدعم الذي يتلقّاه الجيش أيضاً من دول كثيرة من بينها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وحتى الصين وقطر…

 

عهد الوصاية

 

حتى في مرحلة ما بعد ابتداء عهد الوصاية السورية لم تتبدّل نظرة «حزب الله» إلى الجيش. كان بالإمكان مثلًا أن يكون الجيش هو الأداة الأمنية الوحيدة لهذه الوصاية وأن يتم دعمه بالسلاح ليكون الجهة الأقوى على الأرض ولكن الأفضلية في هذا الدور كانت للحزب من خلال إعطائه الحق الحصري بالمقاومة ضد إسرائيل. ما حصل تحت جسر المطار في أيلول 1993 دليل على ذلك. لا يزال السيد حسن نصرالله حتى اليوم يستعيد تلك الذكرى التي سقط فيها عدد من القتلى بين المتظاهرين ضد توقيع اتفاقية السلام بين السلطة الوطنية الفلسطينية وبين إسرائيل، وعلى رغم أنّ الجيش كان بقيادة العماد إميل لحود الذي يعتبر القائد الأمين على العلاقة مع «حزب الله» فقد جرت محاولات لتحميل المسؤولية للسلطة السياسية التي كانت متمثلة وقتها بالرئيس الياس الهراوي ورئيس الحكومة رفيق الحريري. ولا تشذّ عن هذه القاعدة مسألة اتهام هذه السلطة بأنّها حاولت تمرير قرار عبر مجلس الوزراء بإرسال الجيش إلى الجنوب الأمر الذي رفضه قائد الجيش وقتها العماد إميل لحود، ويُقال إنّه كان السبب الرئيسي في تزكية رئيس النظام السوري حافظ الأسد له ليكون رئيس الجمهورية بعد الرئيس الياس الهراوي.

 

على رغم تلك المرحلة السورية التي امتدت من العام 1990 حتى العام 2005 لم تتم إعادة بناء الجيش ليكون القوة الأساسية العسكرية طالما أنّ القرار كان أن يلعب «حزب الله» هذا الدور بحيث يكون الجيش حامياً لهذا الدور ولظهر «الحزب» وفي الصفوف الخلفية وواجهة للتصدي للتيارات السيادية التي كانت تعارض الإحتلال السوري للبنان. وعلى رغم أنّ النظام السوري كان يتحكّم بتعيينات الجيش من القيادة إلى القاعدة وعلى رغم تعظيم دور أجهزة المخابرات المختلفة بما فيها الشعبة الثانية في الجيش لتكون أداة تنفيذية للمخابرات السورية، وعلى رغم تدريب عدد كبير من الضباط والعسكريين في سوريا، بقي الجيش في الخطوط الخلفية وبقيت مهمته محصورة بقضايا محددة لا يشكل أيّ منها قضية خاصة بالجيش وبالدولة وبقي تسليحه ضعيفاً من دون خطة استراتيجية.

 

بين 8 و14 آذار

 

بعد العام 2005 وبعد خروج الجيش السوري من لبنان لم ينظر «حزب الله» إلى دور الجيش اللبناني وقيادته بارتياح. كانت هناك شكوك كبيرة نتيجة عدم تصدّي الجيش للتظاهرات التي خرجت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري تطالب بخروج الجيش السوري من لبنان وبإسقاط حكومة الرئيس عمر كرامي وباعتقال قادة الأجهزة الأمنية، وكان ضد هذا الجو الذي مهّد لتظاهرة 14 آذار الكبرى على رغم أنّ الجيش نفسه تعاطى مع تظاهرة «الحزب» في 8 آذار بالطريقة نفسها. وضمن هذا الإطار لم ينظر «الحزب» بارتياح إلى الدور الذي لعبه الجيش بقيادة العماد ميشال سليمان في معركة نهر البارد في الشمال ضد تنظيم «فتح الإسلام» في أيار 2007 وحتى أيلول على رغم أنّ الجيش دفع ثمناً كبيراً في تدخّله دفاعاً عن لبنان في الحرب التي افتعلها «حزب الله» في تموز 2006 من دون أن يكون له قرار فيها. في مواجهتيْ البارد وحرب تموز لم يكن لدى الجيش مشكلة في التصدي والمواجهة ولكنه دائماً كان يداري العلاقة مع «حزب الله» عندما يكون هناك خطر في المواجهة معه كما حصل في 7 أيار 2008 بعد حصار السراي ومحاولة إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وقطع الطريق على تشكيل المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري.

 

انتشار الجيش في الجنوب بعد القرار 1701 في آب 2006 شكّل نقطة تحدّ في الحفاظ على حدود العلاقة الملتبسة مع «الحزب». لم يكن هذا الإنتشار ليحظى بقبول «الحزب» إلا بعد توفر الشروط المناسبة له من خلال توفير الغطاء لانتشاره العسكري غير الظاهر ولرعاية حدود العلاقة مع القوات الدولية على الأرض بعد زيادة عديدها وعديد الجيش اللبناني هناك إلى ما يقارب العشرة آلاف عسكري لكل منهما.

 

لا يدخل الجيش في مواجهة مع «حزب الله». يعتبر أنّ هذه المواجهة ليس القرار فيها عنده بل في السلطة السياسية وهو لا يستطيع أن يتحمّل كلفتها من دون غطاء ولذلك وتحت سقف هذه السلطة يراعي الجيش مع قيادته «الحزب» في الكثير من القضايا وإن كان في المقابل لا يراعيه في غيرها. مأخذ «الحزب» الأكبر على الجيش وقائده العماد جوزاف عون هو في عدم التصدّي لانتفاضة 17 تشرين 2019. كانت السلطة السياسية المختصرة بالرئيس ميشال عون و»حزب الله» تريد من الجيش أن يقمع هذه التحركات وأن يفتح الطرقات بالقوة وعندما لم يفعلها تمّ اتهامه بأنّه هو الذي يدعم الإنتفاضة وهو الذي يحرّض على قطع الطرق الأمر الذي أدّى عملياً إلى استقالة الرئيس سعد الحريري وحكومته.

 

عدم اطمئنان

 

هل يطمئن «حزب الله» إلى قيادة الجيش وإلى الجيش ودوره؟ هذه المسألة لا تتعلق بالقيادة وحدها بل بسلطة القرار السياسي. لا يحتمل «حزب الله» قيادة سياسية غير خاضعة له وغير قادر على أن يمون عليها وهو يدرك أنه إذا تغيرت هذه القيادة وخرجت عن هذه القاعدة تصبح النظرة إلى علاقته مع قيادة الجيش مختلفة كلياً بحيث ينتقل الجيش من أن يكون طرفاً مراعياً للحزب إلى طرف معادٍ له أو يمكن أن يصطدم معه. كما يريد «حزب الله» رئيساً لا يطعنه في الظهر يريد أيضاً جيشاً لا يتجرأ على أن يواجهه أو لا يطعنه في الظهر. من هذا المنطلق يحدد «الحزب» موقفه من قائد الجيش الحالي العماد جوزاف عون ومن انتخابه رئيساً للجمهورية. ينظر بارتياب إلى كلّ خطوة يقدم عليها الجيش ويحاول ألا يصل إلى مواجهة مثل هذا الإستحقاق وإذا حصل فهو يطلب ضمانات بأن يستمر دوره كما هو من دون أن تكون هناك أي عملية استدراج إلى البحث في أي استراتيجية دفاعية أو تطوير دور الجيش وتحجيم دوره. من هذا الباب قد يمكن وضع الشريط الذي وزّعه «الحزب» ويحاكي فيه عملية اقتحام السياج الحدودي واحتلال المستوطنات اليهودية في شمال فلسطين وصولا إلى البحر. في المعادلات العسكرية يبدو هذا الشريط وكأنّه ضرب من الخيال لا يحاكي الواقع على الأرض لأنّ المعركة التي يحكي عنها لها حسابات أكبر.