ينطلق العام 2023 وسط تفاقم الأزمات السياسية والمالية والإقتصادية والإجتماعية في وقت ترتفع المخاوف من تمدّد الفراغ إلى بقية مواقع الدولة. دخل لبنان المنعطف الخطير مع تهاوي عملته الوطنية واستفحال التعطيل وغياب الحلول، فكل الوعود التي أغدِقت سابقاً وعلى رأسها تأمين الكهرباء بين 8 و10 ساعات يومياً ذهبت أدراج الرياح، بينما تبقى كرسي الرئاسة الأولى بلا رئيس أقله في المدى المنظور.
ومع تدهور الوضعين الإقتصادي والإجتماعي، كثرت التحليلات عن تدهور الوضع الأمني وازدياد حالات الفلتان، لكن الحقيقة أنّ الأمن يسلك مساراً معاكساً للسياسية والإقتصاد، إذ إنّه لا يزال ممسوكاً بالحدّ الأدنى ولا يعاني من اشكالات كبيرة.
لا شكّ أنّ مال الإغتراب ونهضة القطاع الخاص ساهما في تخفيف وطأة الأزمة الإقتصادية والإجتماعية، لكن حسب أكثر من تقرير، فإنّ صمود الداخل يساهم به بشكل كبير نشاط الجمعيات والمنظمات الأهلية (NJO) من خلال إدخالها الدولار إلى البلاد وإنقاذ آلاف الشباب والعائلات من الفقر. واللافت أنّ هذه الجمعيات والمنظمات لا تعمل بعفوية أو تلقائية بل هناك توجيه غربي وأميركي تحديداً لتكثيف نشاطاتها واستثماراتها في لبنان لإبقاء هذا البلد على قيد الحياة بانتظار التصوّر النهائي للحل.
هذا على صعيد الداخل، أما خارجياً فإنّ تدفّق المساعدات إلى الجيش اللبناني لا يزال مستمراً، وهذا الأمر ليس مرتبطاً بالرئاسة بل بقرار كبير بعدم السماح للبلد بالإنهيار. والجدير ذكره، أنّ ارتفاع منسوب المساعدات الأميركية والبريطانية بدأ منذ العام 2013 وتكثّف العام 2014 مع توسّع «داعش» وأخواتها، يومها كان العماد جان قهوجي قائداً للجيش، فلو كانت مرتبطة بالرئاسة مثلما يحاول البعض تسويقه لكان قهوجي رئيساً للجمهورية ولم يُنتخب يومها رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون. وإذا كان مسار المساعدات الأميركية والبريطانية والغربية واضحاً، فإنّ الدخول القطري على خطّ تلك المساعدات يطرح أكثر من علامة إستفهام.
وفي المعلومات أنّ زيارة قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى قطر تكللت بالنجاح، وقد ظهر حرص قطري واهتمام بالإستثمار في المجال الأمني عبر دعم الجيش اللبناني، خصوصاً أنّ قطر بادرت إلى تقديم هبة مالية توزّع دفعاتها على شكل 100 دولار لكل عسكري على أن تتبعها الهبة الأميركية.
وفي تدقيق للإهتمام القطري، يظهر أنّ الدوحة تفكّر جدياً بالإستثمار الإقتصادي في لبنان، ويفترض أن تدخل مجال الطاقة من خلال التنقيب عن النفط والغاز، وتفكّر جدياً بالدخول في سوق المصارف وشراء مصارف متعثرة، إضافة إلى دراستها لمجالات الإستثمار المتاحة. ومن أجل تأمين بيئة حاضنة للإستثمار، فإنّ الشرط الأول هو توفير الأمن والإستقرار، لذلك فإنّ قطر وبكلمة سرّ أميركية تقدّم إحتياجات أساسية لصمود الجيش اللبناني. إذاً، لا يأتي الإهتمام القطري بلبنان منفصلاً عن مسار دولي، وقد ظهر هذا الأمر جلياً من خلال توقيع إتفاق التعاون بين الجيشين اللبناني والبريطاني من أجل استكمال بناء أفواج الحدود البرية الأربعة والتي تنتشر على طول السلسلة الشرقية وعلى الحدود الشمالية في عكار.
ومن جهة ثانية، فإنّ الفرنسيين والاوروبيين مستمرون بتقديم العون إلى الجيش اللبناني، وتمثّل هذا الأمر بتوقيع اتفاق تعاون بين الجيشين اللبناني والفرنسي في مجالات مكافحة الإرهاب ودعم القدرات العملانية والعمليات البحرية والتدريب.
وإذا كان لهذا الدعم شقًّ يهدف إلى الحفاظ على أمن لبنان واستقراره، فإنّ الأوروبي متخوف من أن أي إنفلات امني في لبنان سيضع أكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري في مراكب ليعبروا المتوسط إلى اوروبا، لذلك فإنهم من أكثر الدول التي تريد دعم الجيش ويهمها الحفاظ على أمن لبنان واستقراره.
بات واضحاً أنّ القرار الأميركي بشأن الحفاظ على الجيش كبير ولا يتأثر بأي إدارة أو رئيس أميركي، فهذا القرار إستراتيجي، وغير مرتبط بهوية الضابط القائد الموجود على رأس المؤسسة العسكرية أو من يرأس الجمهورية، على رغم وجود قبول ورضى إقليمي ودولي عن العماد جوزاف عون كرئيس للجمهورية، وهذا أمر لا ينكره أحد في الداخل والخارج.