لا يمكن للجادة الممتدة من مستديرة الصياد الى ثكنة الفياضية وصولاً الى وزارة الدفاع إلاّ أن تُسمّى، أو يبقى اسمها جادة الجيش اللبناني وليس أي مسمّى آخر، فما من عسكري إلاّ ومرّ عليها وما من ضابط إلاّ وكانت طريقه سواء إلى مقره أو إلى الجبهة، فلماذا إلغاء الجميع والإبقاء على إسمٍ واحد لعلّه الأقل تأثيراً في التطورات والأقل بقاءً في الذاكرة؟
***
هذه الجادة تعمّدت بدماء الشهداء: من سوق الغرب الى ضهر الوحش، ومن عرسال الى وادي خالد، أياً تكن خطوط التماس مرسومة فهي كانت تُرسَم بدماء الشهداء الذين باسمهم، وباسمهم وحدهم سُمّيَت الجادة جادة الجيش اللبناني.
ليس المسمّى مسمّى الأحياء فقط، بل هو مسمّى الشهداء أيضاً، واذا كان البعض اعتقد أن بإمكانه تغيير أسماء الأحياء فكيف بإمكانه التساهل بأسماء الشهداء؟
***
قد يتذرّع البعض بأن التسمية جاءت من مرسوم صدر عن وزير الداخلية مروان شربل، بالإمكان العودة عنه، وربما العميد الصديق شربل ساير الظرف بأنه وزير الداخلية في ذلك العهد، وبإمكان كل من هو حريص ومؤمن ومدافع على المؤسسة العسكرية، إعادة الإعتبار للجيش اللبناني من خلال إعادة تسمية الجادة باسمه. أما الإسم الذي وُضِع لها فبالإمكان نقله الى الشارع الذي يقيم فيه الرئيس السابق سليمان، في اليرزة، أو الى أحد شوارع مسقط رأسه في عمشيت، وحتى اذا فُرِض عليه وقبله بالخجل، وبما ان فخامته ابن المؤسسة العسكرية إعادة الجادة الى سابق اسمها يكون قد فعل فعلاً حسناً يُشكر عليه.
***
هناك أسماء كثيرة وكبيرة تعرفها هذه الجادة بدءاً من اللواء فؤاد شهاب وصولاً الى العماد جان قهوجي مروراً بالجميع بينهما من العماد جان نجيم الى العماد اسكندر غانم خاصة الى العماد ميشال عون في أصعب وأحلك الظروف، الى كثيرين غيرهم. فهل يُعقَل أن تُختَزَل كل هذه المسيرة من الشرف والتضحية والوفاء بإسم شخصٍ واحد؟
ومن غير القادة هناك ضباط كبار مرّوا: من فرنسوا الحاج الى يوسف الطحان، الى شامل روكز الى جورج خميس، الى طوني بانو الى فؤاد الأشقر الى عادل ساسين الى انطوان بركات، الى غيرهم الكثير مما يُفتَرَض أن توضَع أسماؤهم بأحرف من ذهب على صخرةٍ تتوسط مستديرة الصياد ليعرف المارّون عند هذه المستديرة أن هناك أبطالاً من الجيش اللبناني الباسل مرّوا عليها، حتى ولو لم يصدر مرسوماً بالسابق هؤلاء الأبطال غامروا وافتدوا بروحهم يستحقوا: جادة الجيش اللبناني.
***
الكبار يُفكرون في حفر أسماء أوطانهم لا في حفر أسمائهم، يفكرون في أن بقاء الوطن هو بقاءٌ لهم، لكن بقاءهم لا يعني بالضرورة بقاء الوطن.
إنها ثقافة الإمتلاك يفتشون بين مرسوم من هنا يصدر عن وزير، وبين قرار يصدره رئيس بلدية، ومّن يعتقد بأن هذه الثقافة تُبقيه فهو مخطئ فالتاريخ لا يُخطئ وهو يعرّف مَن يُخلّد ومَن يُبقيه خارج دفاتره وأوراقه.