«الأمن بالتراضي» يُفضي دائماً إلى كارثة كبرى، وأنصاف الحلول لا تُفضي إلا إلى طريق مسدود، والتكّلفة الباهظة التي دفعها الجيش اللبناني لإنقاذ «طرابلس لبنان» لا «الشام» من بؤر الإرهاب ومشاريع «الإمارة»، ربّما كانت لتكون أقلّ بكثير لو تُرك الجيش اللبناني يخوض حملة على إرهاب «المتأسلمين» و»مربعات الزعران الأمنيّة» وأن يجتثّها من جذورها،ولا يوجد مبرّر واحد يجعلنا نفهم لماذا شكّلت أصوات «نوّاب وشيوخ الفتنة» «موقفاً ضاغطاً» على أهل الاعتدال السياسي السُنّي، طوال الفترة الماضية؟ هل كان من الضروري أن تنتهي «كوارث» الخطط الأمنيّة لـ «طرابلس لبنان» على هذا المشهد المأساوي، وهل كان من الضروري أن تتداعى لأكثر من عشرين مرّة قيادات المدينة لتصل إلى خلاصة «أنصاف الحلول»، فـ «تُهرّب» المسلّحين من الباب ليعودوا ويدخلوا من الشبّاك؟!
للمرّة الثانية ينجو لبنان والجيش اللبناني والطائفة السُنيّة من فخّ الإرهاب شمالاً، الأولى عام 2007 في مخيم نهر البارد، والثانية في عطلة رأس السنة الهجرية وعطلة نهاية الأسبوع الماضي، وقد حان الوقت لوضع النقاط على عدّة حروف، إذ لم يعد من المجدي ترك المناطق السُنيّة الوازنة تحت رحمة نوابٍ التحريض والفتنة خصوصاً الذين كانوا طليعة المشجعين لمجموعات إرهابيّة تشكّلت في طرابلس أو في البقاع تحت عنوان خبيث هو «تدخّل حزب الله في الداخل السوري»، لم يعد هناك مبرّر مقنع لبقاء «خالد الضاهر» نائباً ـ عبئاً ، يضطر معه تيار المستقبل في كلّ مرّة يفتح فيها هذا النائب فمه بـ «جهنّم الشحن» ضد الجيش اللبناني إلى إصدار بياناً يعلن فيه أنّ رأي الضاهر لا يُعبّر عن تيّار المستقبل، ولا أن يترك الباب مفتوحاً لخالد الضاهر لـ «يتمسّح» بمواقف الرئيس سعد الحريري الداعمة للجيش اللبناني، لينجو بنفسه من اتهامات تكاد تلامس الحقيقة ولا تنتظر إلى إعلانها على الملأ؟!
لم يعد مقبولاً أن يأخذ «إرهابي جاهل» كأحمد الأسير منطقة عبرا وصيدا إلى الخراب، ولا شيوخٌ ونوّاب الفتنة طرابلس إلى الحرب، ولا «أبو طاقيّة» مصطفى الحجيري عرسال إلى مواجهة مع داعش والنصرة، ولم يعد مقبولاً أيضاً أن لا تسحب دار الفتوى والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، الغطاء عمّا يُسمّى «مشايخ شعبيين» وهم مجموعة «جهلة» أطلقوا «اللّحى» والعنان لنيران الفتنة المذهبيّة، وهم مجهولي التمويل، يتّخذون غرفة يطلقون عليها اسماً من أسماء الصحابة «ذريعة مسجد» ليعيثوا فساداً في الديار تحت عنوان «الطائفة السُنيّة»!!
لقد حان الوقت لنعرف أسباب هذا «العجز السُنّي» السياسي والديني،الذي ترك الأمور تصل إلى هذا الحدّ، ولا يقولنّ أحد أن وجود حزب الله في سوريا هو السبب وقد ورّط لبنان، ولا يقولنّ أحد أنّ سلاح حزب الله هو السبب، فسلاح حزب الله تحديداً وطوال السنوات التسع الماضية، حماه «الموقف السُنّي» خصوصاً من القرار 1559، وحتى بعد اتهام المحكمة الدوليّة القيادات الأمنيّة الكبرى لحزب الله بالتورّط تحضيراً وتنفيذاً لجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فقد تحمّل الرئيس سعد الحريري من لاهاي ومن على باب مقرّ المحكمة الدولية فيها عبء موقفٍ تاريخي، لحماية لبنان من فتنة مذهبية كبرى، بالذهاب إلى حكومة شراكة مع حزب الله، لكلّ هذا، لم تعد هذه المبرّرات كلّها مقنعة أبداً!!
ما حدث خلال الأيام الماضية في «طرابلس لبنان» كان مغامرة «فتنة كبرى»، بدأت تداعياتها بالترويج لأجواء كاذبة توحي بانشقاق الطائفة السُنيّة عن الجيش اللبناني، وشهداء الجيش اللبناني في معارك طرابلس من أبناء كلّ الطوائف ومن أبناء الطائفة السُنيّة، فهل على هذه الطائفة أن تعبر المرّة تلو الأخرى «معموديّة شهادة» لتؤكد أنّ خيارها الواحد والوحيد هو لبنان الكيان والوطن السيّد الحرّ المستقلّ، والدولة اللبنانيّة، وأن لا شرعيّة لأيّ سلاح إلا سلاح الجيش اللبناني، هل علينا في كلّ مرّة أن نترك منطقة تغرق في فصل من فصول الإرهاب ليتأكّد السَّاعون إلى توريط هذه «الطائفة» في مواجهة مع الجيش اللبناني، مرّة في «عرسال» وأخرى في «طرابلس لبنان»، أنّ خيارها «لبنان أولاً» ونقطة على السطر؟!
حان الوقت ليتعلّم الجميع ممّا حدث في «طرابلس العصيّة» على الإرهاب،فالدمار الذي لحق ببيوت أبنائها ودماء الأبرياء الذين سقطوا من أهلها، وشهداء الجيش الأبرار، هم الذين دفعوا ثمن معادلة «الأمن بالتراضي»، أو «نصف حلّ»، وأنّ ثمّة خطابٌ جديد يجب أن يُقال للبنانيين عموماً ولأبناء الطائفة السُنيّة خصوصاً، فالضاحية الجنوبية و»فلتان السلاح» ليست النموذج،بل «نموذج سيىء»، ويكفي أهل الضاحية العيش تحت رحمة سلاح «اشتباكات العائلات والعشائر»، وتفشّي المخدّرات، وأوكار السرقات، وأنها مرتع لكلّ «خارج على القانون»، وعندما نؤكّد أننا ضدّ سلاح حزب الله في الداخل، علينا أن لا نغضّ النّظر عن سلاحٍ ينبت هنا أو يخرج من هناك، ثمّ ندعو عبر بيان من بيروت إلى «نزع سلاح الجميع»، مع معرفة الدّاعين، أن دون نزع سلاح حزب الله «حرب أهلية دامية»، وأن الحلّ الوحيد لهذا السلاح هو وباتفاق الجميع «الاستراتيجيّة الدفاعيّة» وطاولة الحوار، ولا أن نسمع من طرابلس،»أن قياداتها وفاعلياتها مع الجيش اللبناني، ومع الحفاظ على الأهالي والأسواق القديمة»!! هذه معادلة كأنّها تقول للجيش اللبناني: أماكن تواجد الإرهابيين «خط أحمر» ولكن بلغة «ديبلوماسيّة»، أو كأنّها تقدّم الدّعم على طريقة: «مقسوم ما تاكل..وصحيح ما تُقْسُم»!!