IMLebanon

مصرفي لبناني يشتري بنك Coutts الدولي

حينما كنت طالباً في بريطانيا كان يلفت انتباهي عنوان بنك Coutts مرفقاً بحروف أصغر تشير إلى أنه المصرف المعتمد لدى ملكة بريطانيا وهو من اقدم المصارف في العالم تأسس عام 1692. ومعلوم ان هذه الاشارة كانت تعني التميز، والعديد من المؤسسات التجارية المميزة كانت تعلن انها معتمدة لدى القصر الملكي.

عام 2000 ابتاع بنك اسكوتلندا الملكي Royal Bank of Scotland بنك Coutts لكنه ابقى اسمه وساهم في توسيع اعماله كمصرف اختصاصي في ادارة الاموال حتى باتت له فروع في جنيف وموناكو وأبو ظبي وقطر وسنغافورة، وتوسعت اعماله وصار يدير ثروات بلغت في هذا التاريخ اكثر من 30 مليار دولار.

بنك اسكوتلندا الملكي RBS عانى عام 2008 مشكلات سيولة واضطر المشرفون على ادارته للجوء الى السلطات البريطانية التي اممت المصرف وحتى عام 2014 كان هذا المصرف العريق يعاني من الاجهاد وقد صرف خلال السنوات الاخيرة آلاف الموظفين ولا يزال عبئاً على الموازنة البريطانية. لذا فإنه عندما لاحت فرصة بيع الذراع الدولية لبنك Coutts وان يكن بربح بسيط ودونما احتساب لقيمة الشهرة، وافقت السلطات البريطانية وادارة بنك اسكوتلندا الملكي على بيعه لمجموعة مصرفية سويسرية اسسها وطور اعمالها مصرفي لبناني هو ادغار بتشوتو الذي نقل أعماله في مجال الصيرفة والمصارف الى سويسرا منذ العام 1975.

مصرف السيد بتشوتو سمي بنك UBP وتخصص في ادارة الاموال لحساب زبائن كبار كانت منهم هيئة الاستثمار القطرية. عام 2008 عانى هذا المصرف انهيار بنك Madoff الذي كان يعمل كمصرف خاص بادارة الاموال في نيويورك، وعندما انهار هذا المصرف الذي يحمل اسم مؤسسه تبين انه كان يتلاعب بحسابات الزبائن ويقدم ميزانيات مزورة.

التحقيقات في شأن بنك مادوف اظهرت ان خسارته تجاوزت الـ60 مليار دولار، والامر الذي يبعث على الدهشة ان صاحبه كان يتعامل مع بعض اكبر المصارف الاميركية، ولم تظهر هذه المصارف كما لم تكتشف تلاعبه بالحسابات وتزويره للميزانيات.

بعد اعلان افلاس مادوف، اجريت تحقيقات تفصيلية في تعاملاته وتلاعبه بحسابات الزبائن. وللذكر نشير الى ان هذا الرجل بدأ حياته حارسا للسباحين في منطقة تقع شمال نيويورك. وعندما بدأ يوسع اعماله كان يذهب صيفاً مع عائلته الى جنوب فرنسا ويقيم في افخم فنادقها، ولا يسافر الا بطائرته الخاصة، كما لا يقبل الا حسابات تفوق الـ30 مليون دولار للحساب الواحد، وقد اغتر بمظاهره وادعائه انه يحقق مردودا سنويا يفوق الـ10 في المئة على حسابات زبائنه عدد من المستثمرين العرب الذين عانوا الكثير من افلاسه واكثر ما يثير العجب ان هيئة الاستثمار القطرية تعاملت معه من دون تمحيص لوسائل عمله ونتائجها الحقيقية.

القضاء الاميركي حكم على مادوف بالسجن المؤبد وكان يعمل معه اثنان من ابنائه، ادعيا انهما لم يكونا على علم بتزويره للحسابات وانهما من اخطائه براء، واحد اولاده فضل الانتحار على مواجهة العار.

مجريات تحصيل حقوق زبائن مادوف عهد فيها الى لجنة تعمل منذ سنوات ويبدو ان الحقوق التي يمكن تحصيلها ضئيلة قياساً بارقام الحسابات اصلاً. ومنذ سنة تقريباً وبعد انقضاء ثلاث سنوات على محاولة تحصيل حقوق الزبائن، كانت النتيجة تحصيل حقوق على مستوى 600 مليون دولار في مقابل اجور محاماة تجاوزت الـ400 مليون دولار، ومن كبار الزبائن الذين واجهوا خسارة كبيرة مخرج الافلام الخيالية ستيفن شبيلبرغ الذي خسر مليار دولار مع مادوف.

السيد بتشوتو هو الآخر خسر لحساب زبائنه مع مادوف، صديقه العزيز سابقاً، مبلغ 1,2 مليار دولار وهذا المبلغ موثق في محاضر جلسات محاكمة مادوف والتي اشتملت على حسابات جميع الزبائن، وكان في إمكان اي مهتم الحصول عليها بواسطة الانترنت.

يبدو ان السيد بتشوتو استطاع انقاذ مؤسسته واستنادا الى المعلومات المتداولة عوض زبائنه 50 في المئة من خسارتهم، واستطاع تطوير خدمات مصرفه لادارة حسابات الزبائن والاستمرار في عمله وهو اليوم يتعاقد على شراء بنك Coutts الدولي بمبلغ يقرب من 1.2 مليار دولار، اي المبلغ الذي كان قد خسره سابقاً. وما يسترعي الانتباه ان السيد بتشوتو استعاد نشاطه المصرفي من لبنان قبل أربع سنوات حين أسس فرعاً لمصرفه في مبنى للمكاتب على الطرف الغربي للاشرفية.

اضافة الى عمله المصرفي، الذي استمر على مستوى بسيط في لبنان، أقبل على الاستثمار العقاري في مشروع يعتبر من أكبر المشاريع العقارية المتحققة في بيروت، ومشروعه هذا يقع في منطقة “تلال بيروت” في الاشرفية وقد انجز حديثاً، وتبلغ مساحته فوق الارض 50 الف متر مربع ويرتفع على مستوى 50 طبقة سكنية اضافة الى طبقتين مخصصتين لمشروع تجاري تطلان على الشارع الادنى من مستوى التلال وعلى مقربة من فيلا يملكها جيلبير جبر المصرفي اللبناني المتميز بنجاحه في سويسرا.

الاستثمار في المشروع العقاري المنجز والذي بدأ يضم بضعة متملكين تجاوز الـ180 مليون دولار قياساً بتكاليف البناء ذي المواصفات الفخمة والذي أنجز في منطقة مميزة لم يبق منها سوى قطعة أرض كبيرة لمن كانوا اصحاب غالبية الاراضي في منطقة تلال بيروت، ومبنى بتشوتو هو الاعلى في بيروت اليوم ومن افخم المباني.

ربما هذا الاستثمار، اضافة الى شراء بنك Coutts الدولي يؤكد قدرات السيد بتشوتو الذي يعتبر من المصرفيين المخضرمين، وينظر اليه في سويسرا على انه الفكر المسير لشؤون مصرفه وان يكن ابنه البكر من الناشطين في مصرف سويسرا. ويبقى ان مسألة الخسارة مع مادوف تحتاج الى توضيح نهائي للموضوع الذي يبدو ان هيئة الاستثمار القطرية لم توافق على اقتراحات تسويته.