IMLebanon

القطاع المصرفي اللبناني صامد

تجوب شائعات في الصحف وعلى المواقع اللبنانية مفادها أن تطبيقات العقوبات الأميركية على حزب الله ستضرب القطاع المصرفي. هذه الشائعات عارية من الصحّة وتُظهر قلّة المسؤولية الاجتماعية لدى البعض لأن تركيبة القطاع المصرفي اللبناني تسمح له بإمتصاص أزمات اكبر بعشرات أضعاف أزمة العقوبات على «حزب الله».

عندما قرأت خبراً في إحدى الصحف العربية مفاده أن القطاع المصرفي اللبناني في خطر الإنهيار، إنتابني شعورين: الأول شعور بالغضب من كاتب الخبر لأن محتواه عارٍ من الصحة (وهذا ما سأبينه أدناه).

أما الشعور الثاني فهو شعور إستخفاف بعنوان المقال نسبة إلى محتواه بما يُظهر هشاشة الخبر الذي وبإعتقادي يهدف إلى أمر من إثنين: الأول ضرب القطاع المصرفي عبر بث إشاعات مسمومة هدفها زعزعة لبنان وأخر المكونات الصامدة فيه، والثاني إستخدام هذا الخبر للضغط على الرأي العام اللبناني لتطبيق العقوبات الأميركية. وفي الحالتين أخطأ صاحب المقال لأن الحقيقة هي التالية.

إن القوانين التي أقرّها مجلس النواب اللبناني في تشرين الثاني من العام الماضي والتي تطال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، التهرب الضريبي ونقل الأموال عبر الحدود تبقى الدلالة الأولى على إلتزام لبنان بالقوانين الدولية التي يسعى لبنان منذ الإستقلال إلى الإلتزام بها.

إن قرارنا واضح: سنطبق العقوبات الدولية والأميركية لأن لا خيار آخر لنا.

والقطاع المصرفي اللبناني كان وما يزال يُطبق القوانين الدولية لأن في ذلك إثبات لمصداقية وإستمرارية القطاع المصرفي اللبناني وبالتالي مصداقية وإستمرارية الدولة اللبنانية التي ومنذ عهد تقريباً وهي تعتمد بشكل أساسي على هذا القطاع لتمويل موازنتها.

أضف إلى ذلك أن القطاع المصرفي اللبناني هو قطاع محترف يوازي بإحترافه المصارف الأجنبية ويتفوق بأدائه على الكثير من المصارف الإقليمية. وقد إستطاع هذا القطاع خلال فترة تولي رياض سلامة حاكمية البنك المركزي وحتى الساعة إثبات معادلة أساسية عجزت عن إثباتها المصارف العالمية. هذه المعادلة هي أن لا تأثير للوضع الأمني والسياسي الداخلي في لبنان على صلابة ومتانة القطاع المصرفي ولا على الليرة اللبنانية.

وأكبر دليل على ذلك الإستحقاقات التي مرّ بها لبنان والتي أظهرت أن كل المؤشرات النقدية صمدت في ظل الظروف الحالكة لا بل على العكس تحسّن البعض منها وعلى رأسها الودائع في المصارف التجارية.

هذه الودائع تفوق اليوم الـ 150 مليار دولار أميركيا يُضاف إليها 30 مليار دولار كأصول للمصارف و45 مليار دولار كإحتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية والذهب. وهذا يعني أن حجم هذا القطاع يفوق الـ 220 مليار دولار أميركي أو أربعة أضعاف الاقتصاد اللبناني.

أيضاً يتوجب القول أن دولرة الاقتصاد بنسبة 70 إلى 80% تسمح مع الإحتياطي الموجود في تدارك أي أزمة ومن أي نوع كانت، وذلك بحكم أن هذا الإحتياطي أعلى من التغيرات التي قد تطرأ والتي تُظهرها إختبارات الضغط. (Stress Test) التي يقوم بها مصرف لبنان والمصارف التجارية.

وبالتالي، فإن الليرة اللبنانية صامدة كالأرز ولن يقوى عليها آتون الحرب العسكرية والسياسية والنفسية التي يقودها البعض.

أما في ما يخصّ إنهيار القطاع المصرفي، فقد يتصوّر البعض أن هذا القطاع إذا ما تعرّض لأزمة، فإنه ينهار في بضعة أيام أو أشهر.

وهذا بالطبع إعتقاد خاطئ من ناحية أن الإنهيار كما يدعيه البعض يتطلب فترة طويلة تتزامن مع أزمة تُؤثر على المؤشرات النقدية. ففي حالة لبنان، تُطبق المصارف اللبنانية القوانين الدولية، ولا يوجد طلب على الدولار الأميركي أكثر من الليرة اللبنانية، والودائع المصرفية في نمو مُستمر.

أما الكتلة النقدية م3 فإنها في نمو مقبول (أي تحت السيطرة) وبالتالي لا أرى من أي جهة سيأتي هذا الإنهيار أو الآلية التي ستؤدي إلى هذا الإنهيار، إذ لا فقاعات في العقارات والدين الإجمالي اللبناني (أي الدين العام + دين القطاع الخاص) هو في الهامش الدولي. لذا ومما تقدم نرى أن هذا الإدعاء هو دليل قلّة مسؤولية إجتماعية من أصحاب هذه الشائعات.

إن حجم القطاع المصرفي اللبناني سيكون بدون أدنى شك الرافعة الأساسية في نهوض الاقتصاد اللبناني الذي لن يتأخر في القدوم مع الأمل في إنتخاب رئيس جمهورية وإقرار وتنفيذ الخطة الاقتصادية التي قدمناها إلى مجلس الوزراء. نعم كلي أمل أن هذه الأمور ستتحقق والأكيد أنه مهما كانت الظروف سيظل القطاع المصرفي اللبناني المدماك الأساسي لأي نهوض إقتصادي لبنان.

ومع بدء العمل بالشراكة بين القطاع العام والخاص والتي بدأت سابقاً مع قطاع الاتصالات والأن مع قطاع الكهرباء، نرى أن القطاع المصرفي سيلعب بدون أدنى شك دور الرافعة (Leverage) للنمو الاقتصادي من ناحية أن السيولة التي يتمتع بها هذا القطاع بالتزامن مع إطار قانوني واضح – أي الشراكة بين القطاع العام والخاص – ستجد طريقها سريعاً إلى الماكينة الإقتصادية اللبنانية الأمر الذي يحتاجه بشدّة هذا الاقتصاد المُثقل بفراغ رئاسي وما ينتج عنه من تعطيل للمؤسسات الدستورية ونزوح سوري كثيف يعبث بسوق العمل.

في الختام، لا يسعني سوى التأكيد أن ما يعيشه لبنان حالياً سببه الأساسي الشغور الرئاسي الذي تُطيل عمره الأطماع الشخصية والإرتهانات الإقليمية. إن أي حل للأزمة السياسية التي يعيشها لبنان والتي تؤثر على الاقتصاد اللبناني، في حاجة إلى مفتاح رئيسي لإنهائها أي إنتخاب رئيس للجمهورية.