Site icon IMLebanon

النزف اللبناني في سوريا يبقى الأساس

 

لئن دخلت سوريا منذ بضع سنوات في انشطار مجتمعي دموي هائل نتيجة استطالة التوازن الكارثي بين عدم تمكن النظام من قمع الثائرين عليه وعدم تمكن الثائرين عليه من إطاحة النظام، فان التوازن الكارثيّ في الداخل اللبنانيّ اتخذ نمطاً حافظ على الحدّ الأدنى من السلم الأهليّ، الهشّ والمتصدّع والمتقطّع وما شئت من صفات، لكنه حال مختلفة تماماً عما يجري في العراق وسوريا. 

في الآونة الأخيرة، بدا التوازن الكارثيّ على الطريقة اللبنانية يتخذ وضعية جديدة غير مسبوقة في السنوات الماضية: من جهة، وبشديد اختصار، صار من الواضح ان الفرقاء الرئيسيين في البلد غير متفقين على شيء في ما عنى القضايا الرئيسية، وآية ذلك استفحال الشغور الرئاسي أشهراً طويلة وليس ثمة ما يوحي بمخرج في أمد منظور. ومن جهة ثانية، أمّن هذا التعارف على الاختلاف البين والشامل في القضايا الرئيسية مساحة للعمل الحكومي، بل انها المرة الاولى يكاد يكون منذ الاستقلال عن فرنسا، التي لم يشهد فيها ايقاع العمل الحكومي خضّات، وبالتوازي نشأت أجواء وقنوات حوارية، تنطلق هنا أيضاً من الافتراق الشامل في القضايا الرئيسية، وخصوصاً الأعمال العسكرية التي يزاولها «حزب الله» في سوريا والامتدادات المسلّحة للحزب في مناطق من ألوان طائفية مختلفة عنه، وصولاً الى كلاسيكيات الاختلاف حول المحكمة الدولية، والتدخل في الحرب السورية، والاستراتيجية الدفاعية، ويضاف اجماع الجميع على معزوفة «قانون انتخابي عصري يضمن صحة التمثيل» وتمثّل كل فريق لهذه العبارة المبهمة بما يحلو له من مضامين، ما أدى في نهاية المطاف الى مشكلة حقيقية بعد طرح مشروع «القانون الأرثوذكسي«. ليس هناك اتفاق على القضايا الرئيسية، بل تضاد على طول الخط. في الوقت نفسه، الاعتراف بهذا الواقع منح الفرصة للحكومة كي تعمل، والقنوات الحوارية كي تفتح. طبعاً، ظهر في الموضوع الاقتصادي الاجتماعي اتفاق بين مكونات الحكومات، بحيث بتنا نعرف، من بعد حيرة ضيعت وقت الكثيرين، ان هناك اجماع في النادي السياسي اللبناني ككل على الليبرالية الاقتصادية بنسخة يمينية واضحة، وانّ «حزب الله» جزء من هذا الاجماع الوطني، وهو ما صدم كثيرين كانوا يتوقعون ان يكون الحزب ماركسياً لينينياً يربط التحرر الوطني بصراع الطبقات.

يبقى ان هذا الجمع بين الاختلاف على كل شيء وبين الاقرار بذلك بما خفّض حدّة الاحتقان والتوتر داخلياً، من دون وضع اي تصور ملموس حول المسألة الرئاسية، بل وتشتيتها بين المسائل، كل هذا وضع داخلي لا يخرجنا من دائرة التوازن الكارثي، بل يدخلنا فيها، الى عمقها، ولو كانت محتبسة عنفياً، وتتخذ شكل تعقيدات سياسية وأخذ وردّ وقنوات تقفل وتفتح، وليس طابع التناحر الدموي المتواصل ليلاً ونهار كما في سوريا.

وهنا تأتي الغارة الاسرائيلية في القنيطرة، ثم رد الحزب عليها، ثم كلمة أمينه العام المتجاوزة لقواعد الاشتباك، لتطرح ايقاعاً جديداً من الآن فصاعداً. ايقاع لا يمكن منذ الآن قول أي شيء عنه باستثناء انه يختلف من ذلك الذي اعتدناه بشكل او بآخر من يوم تشكّل الحكومة الحالية الى الآن.

ويتداخل ذلك مع الأنباء الدامية والمفجعة الواردة من دمشق، فهي تذكرنا كم ان «كوكتيل» الجمع بين موقف منخرط في تحارب طائفي وموقف متجرّد عن الطائفية عندما يتحدّث عن المعركة مع الاسرائيليين انما هو «كوكتيل متفجّر«. 

بل يبقى الموضوع الجنوبي أهون حالاً. في نهاية الأمر، طالما هناك قوات طوارئ دولية في الجنوب وفي الجولان ليس من السهل تصوّر كيف يمكن أن تتعدّل قواعد الاشتباك بشكل جديّ، فأي تعديل لها لا سند له طالما انه يقضي برحيل القوة الدولية. صحيح ان هذه القوة لم تستطع تأمين منطقة جنوب الليطاني بالشكل المتوخى في القرار الذي قضى بتوسيعها، لكنه تبقى أمراً واقعاً لا يمكن للحزب أن يتعامل معه كأنه لم يكن.

أما الحرب في سوريا، والنزف الدموي الحاصل في شباب الطائفة الشيعية اللبنانية، فليست هناك قرارات وقوات دولية يمكنها ان تحدّ منه. ليس هناك سوى المجهول. ليس هناك أمدٌ ولا موعد يمكن أن يضربه الحزب لشبابه. نحن أمام نزاع اذا استمرّ بشكله الحالي سيأكل سنوات اضافية عديدة. هذا المعطى الزمني بالذات هو ما ينبغي ان يتسلل الى الجدل الداخلي.