يقول المثل اللبناني “الرزق السايب بعلّم الناس الحرام”. ينطبق هذا المثل على الدولة اللبنانية التي لم يبق “ابن حرام” إلا ومد يده إلى مقدراتها وأموالها وطاقاتها ما أدى إلى إفلاسها وإفلاس الناس الذين سرقت مدخراتهم.
هذه الدولة كي تكون محمية من أي سارق أو حرامي يجب أن تكون مسيّجة بالقانون والقضاء والعدالة، فهذه هي الحدود الداخلية التي يجب الحفاظ عليها وتعزيزها ومعاقبة كل من يخرقها او يحاول خرقها، ولو طبق هذا الأمر بالفعل منذ قيام الدولة اللبنانية لما كنا وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم، ولكن المحاسبة والمعاقبة لم تكن متوفرة لا ماضياً ولا حاضراً لأن الأمور ببساطة تتلخص في أن “حاميها حراميها” فهل يقدم هؤلاء على محاسبة أنفسهم؟
هذه الدولة اللبنانية لم تحمِ أيضاً حدودها الجغرافية لا من الشرق والشمال ولا من الجنوب ولا حتى من البحر، فكانت هذه الحدود مستباحة على مدى عمر هذه الجمهورية وحتى اليوم، المهربون استباحوها وما زالوا، العدو استباحها وما زال، الشقيق استباحها وما زال أيضاً، وتقف الدولة عاجزة عن رد أي استباحة لألف حساب وحساب، والأنكى أن بعض مكونات هذه الدولة يؤيد استباحة هذا الطرف أو ذاك للحدود نكاية بأخصامه في الداخل.
فصل جديد من استباحة الحدود نشهده اليوم، فإسرائيل تستبيح حدودنا البحرية التي هي حق لنا وتستفيد من ثروات غازية مدفونة تحت الرمال، وتستبيح أجواءنا غير عابئة لا بسيادة ولا بمواثيق دولية رغم أن الحدود البرية الجنوبية مرسمة بتحفظ، ورغم أن مفاوضات غير مباشرة كانت قد انطلقت لترسيم الحدود البحرية ولكنها توقفت ولا موعد في الأفق لاستئنافها.
حدودنا الشرقية والشمالية مع سوريا لا ترسيم ولا من يحزنون وهي مستباحة أولاً من المهربين ومن كل من له مصلحة في استباحتها، والحدود البحرية أيضاً مستباحة من سوريا التي لزمت أحد بلوكاتها النفطية الممتد إلى بلوكات لبنان الشمالية، ولم تسأل عن الترسيم غير الموجود هناك والنزاع القائم على 750 كلم² وكأن لا أحد في الجهة المقابلة، والسؤال هنا ألا تعلم الشركة الروسية التي التزمت العمل في البلوك السوري أن لا ترسيم لحدود بحرية بين البلدين؟ وهل تريد فعلاً هذه الشركة أن تدخل في نزاع مع لبنان إذا تجرأ لبنان على رفع الصوت؟ ألا يشكل هذا الخرق السوري الجديد امتداداً لعدم تثبيت حق لبنان في مزارع شبعا والاعتراف بلبنانيتها؟
في السيادة لا تجزئة، فهي واحدة في الداخل وعلى كل الحدود، ولن نستطيع حماية البلد والدولة متى قامت إن أجزنا للصديق أو الشقيق ما ننكره للعدو.