IMLebanon

السمسار اللبناني والعسف السعودي

العلاقات اللبنانية ـ السعودية ملتبسة. لا يوجد ما يجمع بين بيروت والرياض إلا المال. وكل كلام سوى ذلك، مضيعة للوقت. لبنان هو النموذج المضاد للنموذج السعودي في السياسة وكل نواحي الحياة. وآن الأوان لهذه العلاقة غير المتكافئة، وغير السوية، أن تنتهي، أو على الأقل أن يُنزع عنها رداء التكاذب المتبادل. قبل أن تُسهم السعودية وباقي دول الخليج في إعمار لبنان، ساهم اللبنانيون، وعرب وأجانب، بطاقاتهم وجامعاتهم وكوادرهم، بتحويل الخليج إلى واحة للرخاء والازدهار، مقابل دراهم، وبناء على عقود واضحة، لا منّة فيها لدولة على أخرى.

في حالة لبنان الوضع مختلف، لأن هذه الدولة اللا هوية نهائية لها بعد، لا تستطيع الخروج من تحت العباءة، أكانت من صوف سعودي، أو من قماشة إيرانية، أو نسيج سوري، أو تصميم فرنسي أميركي، أو حتى درزة اسرائيلية. بالأمس أعاد مجلس الوزراء تفسير المفسّر وذكّر بعروبة لبنان في بيان التودّد للسعودية، بعد تراجعها عن هبة مالية، رأت أن لبنان لا يستحقها بسبب قلة وفائه.

الرياض تعرف أكثر من غيرها تركيبة السلطة في لبنان. تستطيع بيروت أن تعلن تعاطفها ودعمها للمملكة ذات الهويتين، المتزمتة للداخل والأخرى المنفتحة للاستهلاك الخارجي. لكن توقيع لبنان على بيان يصنف «حزب الله» منظمة إرهابية يفجّر البلد من الداخل. أن تتوقع الرياض موقفاً رسمياً من هذا القبيل كمن يطلب من شخص الانتحار. وهذا أمر مستغرَب نظراً للرعاية الأبوية التي يمارسها آل سعود على لبنان الرسمي. وهو يبقى مستغرباً ولو كان يُفسَر بارتفاع معدلات «التستستيورون» (هرمون الذكورة) المتحكّمة بسلوك الحكم السعودي المندفع مع الاشقاء العرب في اليمن وسوريا والآن لبنان، برعاية ولي ولي العهد. للرياض أفضال على لبنان وساهمت بشكل مباشر في الوساطات التي وضعت حداً للحرب الأهلية فيه. وكعادة أحوال العشاق لم تخلُ العلاقة بين البلدين من نكسات، من حرب تموز إلى الحكومة الميقاتية، إلا أن الأمور كانت تعود إلى مسارها النفعي.

أن تصل العلاقات بين البلدين إلى هذا الحد من السوء، التراجع عن الهبة، ودعوة السعوديين لمقاطعة لبنان، وما يستدرج ذلك من إجراءات اقتصادية مرشحة لا قدر الله إلى ان تخنق اللبنانيين في أرزاقهم، يعني أن المملكة اتخذت قراراً بترك شقيقها الصغير إلى مصير قاتم. لم يفعل لبنان ما يستحقّ جراءه قصاصاً بهذا الحجم. كل ما في الأمر أن لبنان بات حمولة زائدة على كتف النظام السعودي الجديد. فهو بالنسبة للأشقاء العرب وظيفة لا تتجاوز ثلاثية المصيف والمصرف والمشفى، وربما جامعة. لم يعُد لبنان يلعب هذا الدور، طارت السرية المصرفية، وتراجعت الطبابة، وتحوّل المصيف قمامة. وفي السياسة لا يستطيع لبنان أن يكون في معسكر ضد سوريا، ولا يحتمل أن يكون ورقة ضغط على ميدان الحرب فيها، إذاً بات حملاً زائداً يجب التخلص من أعبائه. وبالنسبة لآل سعود مَن ليس معنا فهو ضدنا، ويستحق القصاص.

ملايين التواقيع على عرائض التسبيح بحمد المملكة، مقابل توقيع شيكات الهبة الموؤودة، لن تجدي نفعاً. وفي المقابل، لن يجرؤ «مصدر مسؤول» لبناني على تحذير مواطنيه من السفر الى السعودية أو دعوتهم إلى مغادرتها. دولتنا بلا كرامة!