مرحلة ضياع تحكم الحسابات الإقليمية
انشغال لبناني على مسافة من التسويات المعلّقة
لا تشي المعلومات الواردة من خلف الحدود أن قطار التسويات في المنطقة الذي ينتظره لبنان، قد انطلق. وإنّما ما يُفصح عنه المطلعون يشير إلى وجود إرباك دولي وإقليمي، وعجز عن تلمّس معالم الطريق الذي يؤدي إلى البدء بمسار إيجابي قاعدته التفاوض بعيداً من رهانات الميدان في الساحات المتفجّرة التي لا يزال فرقاء عرب يبنون حساباتهم على نتائجها.
يمكن توصيف الواقع الحالي بأنه مرحلة ضياع، في ظل سقوط كل المحاولات الآيلة إلى فتح ثغرات حقيقيّة في جدار الأزمة. والسبب من وراء هذا العجز يعود إلى أنّ من لا يريد الحلّ السياسي الواقعي، يطفئ أنوار النفق كلما لاح بصيص أمل في آخره.
يؤكّد قيادي لبناني زار دمشق وطهران وموسكو، أنّ هناك كلاماً سورياً واضحاً بأنّ زيارة الموفد الأممي الأخيرة ستيفان دي ميستورا إلى سوريا حسمت التوقعات عن احتمال انطلاق عجلة الحل السياسي للأزمة السوريّة.
وما فهم بشكل واضح من كلام دي ميستورا مع المسؤولين السوريين أنه لا يمتلك الإشارة الدوليّة التي تسمح له بإطلاق المزيد من الطروحات والمبادرات التي قد تشكل قاعدة، ولو في حدها الأدنى، لقبولها من قبل الفرقاء السوريين والعواصم المنخرطة في الحرب الدائرة في سوريا، وتكون هذه الطروحات أيضاً طريقاً ممهّداً للذهاب مجدداً إلى طاولة تفاوض جديدة في جنيف أو موسكو أو غيرهما…
وبدا واضحاً أنّ طلبات عواصم القرار الدولي، لا سيما الغربية منها، من دي ميستورا، تركّزت على استمراره في الاتصالات التي يجريها مع كل الفرقاء وتكثيفها كلما دعت الحاجة للحفاظ على حضور معنوي من الآن وحتى نهاية العام. وهذا يعني حتماً أنّ لا جديد عملياً وملموساً في هذا الوقت المستقطع سوى المزيد من الدمار وسفك الدماء وعمليات الكرّ والفرّ، إن كان على مستوى الجبهات السورية أو حتى الجبهات اليمنية.. وما بينهما من مناطق توتر معلومة.
أما الرهان الذي انعقد على اجتماع الدوحة الذي جمع وزراء خارجية: أميركا جون كيري وروسيا سيرغي لافروف والسعودية عادل الجبير، فإنه انتهى إلى مزيد من الضبابية، وفق ما يعتقد القيادي اللبناني الذي لا يرى إلا المشهد المعتم في أفق التسويات، وتحديداً في الملف السوري، إذ ثبت أن الرياض تريد كل شيء من دون أن تقدم أي شيء.
والمفارقة في هذا الإطار، بحسب القيادي نفسه، أنّ السعوديّة تتصرّف من موقع المنتصر ربطاً بما تم تحقيقه على الساحة اليمنية، وفي ذلك قصور جديد في المقاربة السعودية للتطورات ولـ «رفعة الإبط» اليمنيّة التي حصلت من أجل تأمين توازن ما في التفاوض الذي تديره مسقط لحل الأزمة اليمنية.
ويشير القيادي إلى أن حديث الجبير خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، حيث تعمّد الجانب الروسي الدخول في نقاش معمّق لإثبات جدّية عملانية لإيجاد حلّ سوري عادل ومتوازن، صدم محاوريه. فوزير الخارجية السعودي رفض أي تسوية بوجود الأسد وحتى لمرحلة انتقالية، قائلاً إن المعلومات التي زوّدتهم بها واشنطن تفيد بأن الجيش السوري وحلفاءه لم يعد لديهم العديد البشري القادر على خوض حرب طويلة، باستثناء الخط الممتدّ من دمشق إلى اللاذقية الذي تتمركز على طوله مجموعات متواضعة.
وعليه، فإن استنتاج الجبير بأن نظام الرئيس السوري بشّار الأسد سيسقط خلال مدّة بين ثلاثة وستة أشهر، أفضى إلى وقف الروس الخوض في مزيد من الطروحات، التي انطلقت جميعها من أن يكون الأسد جزءاً أساسياً من الحلّ، مع إبقاء باب الديبلوماسية والتشاور مفتوحين.
ويؤكّد القيادي اللبناني أنّ إحدى أبرز نتائج زيارة ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان الى موسكو، والتي تمثّلت في الزيارة التي قام بها اللواء علي المملوك الى السعودية، باتت يتيمة. فهذه الزيارة التي كان يؤمل منها أن تفتح باب التفاوض المباشــر بيــن القيادتين السورية والسعودية تحت العيــن والرعاية الدولية، لا سيما موســكو وواشــنطن ومعهــما طهران، لم تفضِ إلى أي خــرق من شــأنه أن يُبقي الأبواب مفتوحة.
البعض راهن على أن تكون نتيجة هذه الزيارة هي تسوية للملف اللبناني، المعلّق على هذا التطور النوعي في الاتصال السعودي ـ السوري، في حين تستمر الديبلوماسية الإيرانية في حياكة سجادة علاقاتها الدولية والإقليمية تحت ثابتة لا تتراجع عنها وهي أن أي حل لا يكون إلا وفق صيغة «رابح ـ رابح».
وفي ضوء هذه المعطيات، فإن القيادي يرى أنّ الوضع في لبنان سيبقى على حاله من المراوحة ومن الانتقال من أزمة قائمة إلى أخرى مفتعلة. ولذلك يتمّ إشغال الواقع اللبناني بملفات مثل الكهرباء والنفايات وآلية العمل الحكومي والتشريع في المجلس النيابي وغيرها، مع الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار، لأنّ لا جديد يمكن توقعه قبل نهاية العام الجاري.. وهذا يعني أنّ الانتظار سيطول.