لا تخلو اي محادثة يُجريها المواطنون اللبنانيون بكل فئاتهم ومن مختلف المناطق اللبنانية ومن جميع المشارب السياسية والعقائدية من طرح السؤال التالي؛ الى متى سنصمد؟ فيأتي الجواب فوراً وعلى لسان السائل والسامعين «لم نعد نستطيع التحمّل».
ان هذه الكلمات القليلة تختصر واقع هذا الشعب المُعذّب والمُستهلك، فمع بساطة السؤال وبراءته يحمل في طيّاته حقيقة الازمة اللبنانية وعمق اسبابها والخيارات المطروحة امام الشعب بمسؤوليه السياسيين والجامعيين والمفكرين والدنيويين وبكل طاقاته المنتجة والقيادية والشعبية، فإمّا الصمود الوطني بالرغم من العذابات الناتجة عن وجود الدويلة، وإمّا الصمود في العذابات والقبول بها ممّا يعني الاستسلام للمنظومة الحاكمة.
ففي حين يشكو المواطن اللبناني من اَلامه والاذلال الذي يتعرّض له يومياً ويصرخ من وجعه ويئنّ، تتباهى شعوبٍ اخرى تعلّمت في الجامعات اللبنانية وتدرّبت على يد الانتشار اللبناني، بالمستويات العلمية والاجتماعية التي وصلت اليها وقد سهّلت لها الانتقال من واقعها السابق المتواضع الى صدارة الشعوب المتطوّرة علمياً وانتاجياً وعمرانياً واقتصادياً، وهذا هو التحوّل في واقع الشعب اللبناني حيث تراجع من المراتب الاولى عالمياً الى المراتب الادنى. بالمقابل، هذا التحوّل المعاكس الايجابي لهذه الشعوب يؤكّد ان التطور والازدهار وخصائص بناء الدول ليست حكراً على شعوب وممنوعة عن شعوب اخرى ولا علاقة لها بانواع البشر بل بانواع الانظمة التي تُسيّر امور البشر، فالشعب اللبناني الغني بالطاقات والامكانيات والنيّات السليمة لم يعد متاحاً له ترجمة طاقاته في ارض وطنه لحظة صادرت منظومة معرقلة للتطور وللحياة الطبيعية الانسانية دولته. وأكثر الامثلة التى تؤكد هذا الرأي تكمن في المثل الالماني في القرن الماضي عندما انفصل الشعب الالماني طوعاً الى جزأين، الشرقي وقد وقع تحت ادارة الحزب الشيوعي المنضوي في معسكر الاتحاد السوفياتي، الذي فشل في ادارة شؤون الشعوب الاقتصادية والمالية والاستثمارية والحرّيات، فسقط نتيجة ذلك الشعب الالماني الشرقي الى اسفل مراتب الحياة الاجتماعية، والغربي وقد شكّل جزءاً اساسياً من النظام الرأسمالي العالمي الذي رفعه الى مصافي الشعوب الفخورة والمستحقّة بقيادتها للتطور العلمي والصناعي.
والمثل الآخر الماثل امامنا دائماً هو المثل الكوري، حيث يعيش الشعب الكوري الشمالي في نظام القبور، فيما ابن عمه الشعب الكوري الجنوبي من ذات العرق والدين والتجذّر العائلي يفتخر بدخوله نادي الدول الصناعية والاقتصادية والمنتجة بقدراتها الخاصة.
ان هذه الحقائق التي لا لبس فيها تدل بوضوح على ان الحلول في لبنان لا يمكن ان تأتي مع استمرار القيّمين على الادارة اللبنانية، اي ان المنظومة الحاكمة الموجّهة من «حزب الله»، التابع بدوره للنظام الايراني بنسخته الاسلامية الفقهية، لا امل فيها بالتغيير الايجابي، فمن ينتمي للفكر التخلّفي لا يستطيع اجتراح الحلول او تنفيذها. الحل يبدأ بأن يحتل المواطن المناسب المكان المناسب، بدءاً من موقع رئاسة الجمهورية، لتستمر هذه المنهجية الى كافة المواقع وخاصةً القضائية والادارية العليا، حيث لا مناص من ان يأتي المسؤول لاجل خدمة الوطن والمواطن وليس المرجع والشخص والعقيدة المنغلقة على نفسها.
إن شكل النظام واحترام القوانين هما الضمانة للجميع، والضرب بالنظام والانتظام الاداري والسيادي للمؤسسات كفيل بتدمير كل شيء على رأس الجميع، وهو سبب العذابات التي يُعاني منها الشعب اللبناني حالياً ولن تنتهي هذه المأساة الا بسقوط المنظومة الحاكمة وبتحرير الدولة منها، ولا بد من اجل ذلك ان نصمد كشعب، مهما كانت كلفة الصمود، في ثقافتنا اللبنانية الاصيلة التي حقّقت في سبعينات القرن الماضي النجاحات اللبنانية وما زلنا حتى اليوم نصرف من خيراتها.
إن كنّا اليوم نعيش في وسط العذابات، فصمودنا النضالي في هويتنا هو المفتاح الاكيد لحل مشاكلنا والمخرج الحقيقي من وسط جهنّمهم. المطلوب ان نُدرك حكمة الدفاع عن وطننا وهويتنا، وان نستسهل الاثمان لاجل ذلك، فبصمودنا خلاصنا، وبخلاصنا من المنظومة خروجنا من سجننا، وبتحرّرنا نحن دخول المنظومة الى المحاسبة.
امّا بالنسبة للسياسيين اللبنانيين من عداد السياديين، فمسؤوليتهم اعلى من الجميع، لأن على كاهلهم يقع تحديد مستقبل لبنان، ونجاحهم بالمهمة يجب ان يرتكز حالياً على اسقاط اي حظ لمرشّح «حزب الله» الرئاسي في الوصول الى سدةً ادارة البلاد، وفشلهم بذلك سيؤكّد انضمامنا الى نادي الشعوب المظلومة والمظلمة والميّتة، في حين ان مكاننا الطبيعي هو نادي الشعوب التي استطاعت الصمود ودفعت الغالي لبقائها في نادي الشعوب النيّرة. هنا التحدّي. فهل لدينا النيّة برفض الاستمرار بالعذابات والقدرة على الصمود من اجل قناعاتنا؟ هذا ما ستظهره الايام القادمة.