ليس مستغربا ان يكون حلّ بلبنان ما حلّ به بعدما تبيّن ان رئيس الجمهورية ميشال عون يرفض تشكيل حكومة «اختصاصيين» اذا لم تكن هذه الحكومة كناية عن خاتم في خنصر صهره جبران باسيل رئيس «التيّار الوطني الحر». ليس في قصر بعبدا من يريد سماع ما يقوله جان ايف لودريان وزير الخارجية الفرنسي عن ان البلد يواجه «خطر الاختفاء» وأنّ الوقت المتبقي لانقاذه بات «قصيرا جدا». على العكس من ذلك، هناك في القصر، هموم ذات طابع شخصي وعائلي لا علاقة لها بلبنان ومستقبل مواطنيه وابنائهم. مستقبل جبران باسيل، بالنسبة الى ميشال عون، اهمّ بكثير من مستقبل لبنان. يعاقب ميشال عون لبنان كون الإدارة الاميركية عاقبت جبران باسيل. الأكيد انّه يتخوّف من عقوبات أوروبية على جبران باسيل وغيره تصدر قريبا!
تتحكّم برئيس الجمهورية حاليا عقدة توريث صهره، الواقع تحت العقوبات الأميركية. ثمّة من يعتقد انّه انتقل الى مرحلة الربط بين تشكيل الحكومة ورفع العقوبات المفروضة على جبران باسيل بموجب قانون ماغنتسكي. في انتظار اكتشاف ان لا امل في رفع العقوبات الأميركية عن باسيل، هناك انهيار جديد ينتظر لبنان. انهيار في الانهيار، يصعب تصوّر مداه، في بلد يتصرّف رئيس الجمهورية فيه بعيدا عن ايّ نوع من المسؤولية واحترام للدستور.
انطلاقا من هذا الواقع الذي يتمثّل في وجود همّ آخر لميشال عون، همّ انقاذ مستقبل جبران باسيل وليس همّ انقاذ لبنان، نجده ينصرف عن مهمّة تسهيل تشكيل حكومة بموجب الأصول المعمول بها ويحاول الهرب الى مكان آخر. هذا المكان هو «التدقيق الجنائي» في نشاط مصرف لبنان (المصرف المركزي) ودوره في انهيار النظام المصرفي والعملة الوطنيّة. فجأة شنّ رئيس الجمهورية حملة تستهدف مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة. لا تبدو هذه الحملة بعيدة عن رغبة «حزب الله» في التخلّص من النظام المصرفي اللبناني في سياق سعيه الى الانتهاء من لبنان وتحويله الى دمية في يده، أي في يد ايران. هذا ما بدا وضحا من تصرّفات الحزب الذي لم يتردّد في شنّ الحملة تلو الأخرى على مصرف لبنان منذ فترة طويلة مركّزا على حاكم المصرف الذي لم يتجاوب سابقا مع مطالب محدّدة لـ»حزب الله» الذي تسبب في فرض عقوبات على المصارف اللبنانية من جهة وعزل لبنان عربيا ودوليا من جهة أخرى. ليس سرّا ان «حزب الله» كان وراء الحملة على المصارف اللبنانية وذلك عندما رفع انصاره شعار «ليسقط حكم المصرف».
لعلّ افضل نصيحة يمكن تقديمها الى رئيس الجمهورية في الوقت الحاضر هي تلك الذي قدّمها له الرئيس السابق لمجلس النوّاب اللبناني حسين الحسيني، وهو سيّد حقيقي، يعرف تفاصيل مؤتمر الطائف الذي انبثق عنه الدستور المعمول به عن ظهر قلب. يعرف السيد حسين الذي يمكن وصفه بالسياسي اللبناني الذي دفع غاليا ثمن رفض دخول لعبة السلاح والدمّ… ما هو الدستور وما دور رئيس الجمهورية. قال في هذا المجال ان لا وجود، بموجب الدستور، لحصّة لرئيس الجمهورية «لا في الحكومة ولا في غيرها»، لأن الموارنة «ليسوا في حاجة الى بكركي ثانية في القصر الجمهوري ولا السنّة بحاجة الى دار فتوى في السراي الحكومي ولا الشيعة بحاجة الى مجلس شيعي أعلى في ساحة النجمة. رئيس الجمهورية حسب المادة 49 من الدستور هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يسهر على احترام الدستور… وهذه وظيفة تمنح رئيس الجمهورية دور المحافظة على النظام والكيان وتضعه في موقع سامِ فوق السلطات والصلاحيات».
أما الأكثر غرابة، حسب السيّد حسين الذي اعطى حديثا الى الزميل جورج بكاسيني نشره في «مستقبل ويب»، فهو مطالبة رئيس الجمهورية بما يُسمّى «الثلث المعطّل الذي لم يرِدْ في الدستور لا نصّاً ولا روحاً» فال فيهذا الصدد: «إن الركيزة الأولى التي يِقوم عليها تشكيل الحكومات في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية هي التضامن الوزاري، وبالتالي فإن أي وزير لا يلتزم قرار الأكثرية الموصوفة ينبغي عليه أن يغادر الحكومة، فكيف يسعى بعضهم وجهاراً إلى التعطيل داخل الحكومة»؟
يتابع رئيس مجلس النواب السابق: « إن إشارة الدستور إلى وجوب الإتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف لا تعني ضمان حصة لرئيس الجمهورية في الحكومة وإنما اضطلاعه بالدور الذي حدّده له الدستور، أي التأكّد من مراعاة التشكيلة الحكومية لثوابت الحفاظ على الكيان والإستقلال والنظام العام. كما أن وظيفة رئيس الجمهورية أن يحول – في أي تشكيلة حكومية – دون تمكين أي شخص أو فئة أو حزب أو طائفة من امتلاك الأكثرية المقررّة أو الأقلّية المعطّلة (انسجاماً مع مبدأ التضامن الوزاري) فكيف يطالب هو نفسه بنسبة معطّلة في الحكومة؟ وبناء على ذلك يمكن إبطال رئاسة رئيس الجمهورية في حال حصوله على حصّة في الحكومة، لأنه حسب أحكام الدستور لا تبعة على رئيس البلاد وهو مُعفى من كل مسؤولية، وبمجرّد حصوله على حصّة يكون قد ألغى الدستور الذي أعفاه أساساً من المسؤولية».
وضع حسين الحسيني، الذي يمكن وصفه بانّه آخر السياسيين الكبار في لبنان، النقاط على الحروف. طرح الأسئلة التي يفترض في كلّ لبناني طرحها. لعلّ السؤال الاوّل مرتبط بعداء ميشال عون لاتفاق الطائف الذي أوقف الحرب في لبنان. هذا العداء يجمع بينه وبين «حزب لله». استمرّ ميشال عون في حربه على لبنان واللبنانيين في مرحلة ما بعد الطائف. كان وقتذاك في قصر بعبدا بصفة كونه رئيسا لحكومة مؤقتة لا مهمّة لها سوى ضمان انتخاب رئيس للجمهورية في اعقاب انتهاء ولاية الرئيس امين الجميّل في ايلول – سبتمبر 1988. تسبب في حينه بكوارث على لبنان بعدما شنّ حروبا على المسلمين والمسيحيين الذين وقفوا مع اتفاق الطائف او اعترضوا على سياساته. يكفي أن يقرأ ميشال عون ما قاله حسين الحسيني كي يتأكّد من ان سلوكه لن يأخذه الى أي مكان، تماما كما حصل بعد كلّ ما تسبب به في العامين 1989 و 1990. عفوا، يمكن لهذا السلوك ان يتسبب في هجرة مزيد من المسيحيين من لبنان. هل هذا ما يريده الجنرال الثمانيني (من مواليد 1933) ويسعى اليه لا اكثر…