يتفق المراقبون السياسيون على أنّ الجدّية في العمل الوطني والرؤية المستقبلية هما شرطان أساسيان لبناء الأوطان والدول والمؤسسات والعلاقات الصحيحة بين الفئات المُكوّنة للوطن، ولا يختلف المُحلّلون «الجدّيون» على أنّ الكثيرين من العاملين في الشأن السياسي اللبناني يفتقدون للكثير من الجدّية الوطنية. وإن كان من البديهي أنّه بغياب الجدّية عند المسؤولين الوطنيين يُفتح الباب واسعاً لاصحاب المشاريع الغريبة والمعادية، الجدّية بخطورتها، فإنّه من الطبيعي أن يسوّق من ينتمي لها لنظرية عدم جدّية المُدافعين عن الوطن، أي المُعرقلين لمخططاتهم.
فرغبتهم العدائية تتحقّق بدفع المسؤولين الرسميين والسياسيين لأن لا يتحلّوا بالجدّية، لأنّ عكس ذلك يعني إفشالاً لمشاريعهم وغلبةً لأصحاب الأرض والسيادة. ومن يتمتّع بالجدّية المطلوبة للدفاع عن نفسه ومجتمعه ووطنه فهو العدو الحقيقي لغزاة الوطن، أمّا صديقهم فهو غير الجدّي في المقاربات للشؤون الوطنية وغير المستعد لمواجهة الأخطار الحقيقية التي تُهدّد مصير بلاده.
وبالتدقيق في المواقف السلبية الكثيرة التنقّل «للمُمانعجيين» في لبنان، نكتشف مدى الالتباس الذي يقعون فيه بقراءاتهم للمستجدات السياسية، ولكن ما يجمع بينها جميعها هو انطلاقها من عقلٍ واحد ومن مشروعٍ واضح يكتسب كامل «الجدّية» في تنفيذ خطوات مشروع إلغاء الدستور اللبناني الذي كان نتاج اتفاق الفئات اللبنانية عند نيل الاستقلال والتعديل لاحقاً في مؤتمر الطائف، والهدف منه كان دائماً أن يتلاءم مع المُمارسات الديمقراطية والهوية الحقيقية لشعب وطن الأرز المُحب والمؤمن بالحرّيات الفكرية وبحق الآخر بالاختيار وبتسهيل إمكانية المحاسبة. فنظرية التوافق الرئاسي المطروحة من قبل محور المُمانعة تعني إلغاءً لعامل المُحاسبة وتغليباً لمفهوم المُسايرة والمُحاصصة والتسويات الشاملة.
أمّا دعوة المعارضة لإعتماد الجدّية في الترشيحات، فتعني إنكاراً للصوت المُعارض وإسقاطاً لحقه بالوجود، والدعوة لطرح ترشيحات غير استفزازية، تعني الضغط للقبول بالتسويات اللاغية للمحاسبة على الأخطاء المُميتة التي دمّرت مقومات البلاد وأفقدت أهله ارزاقهم. أمّا الأخطر من كل ذلك فالتبليغ من خلال الاعلام بأنّه لا أمل لإيصال مرشّح لا ينتمي لمحور المُمانعة، وتعني أنّ منظومة المحور تتجرأ للاقدام على مُمارسة سياسة قمع الأقلّية للأكثرية، وبقوة التهديد الأمني، وهذه صفة من أكثر صفات الجدّية في المنهجية الدجليّة التي تُمثّل أكثر المشاريع الخطيرة على لبنان الوطن. أمّا عدم جدّية بعض الأطراف التي ما زالت تتهرّب من تحمّل المسؤوليات الوطنية بتمسّكها بالحياد السلبي في ساحة الصراع المصيري، فهي أكثر العوامل المُساعدة لجدّية محور العدائية للتركيبة اللبنانية.
المعارضة الجدّية تُزعج محور المُمانعة الجدّي في تغيير ثقافة اللبنانيين ومحو ارثهم، وقد صدق أحد أبواق المحور عندما هدّد كل معارض جدّي واصفاً اياه «بالمجنون» قاصداً انه مجنون لتجرّوئه على مواجهة التهم الاجرامية، ولكنه دجَلَ عندما أضاف أنّ المعارضة غير جدّية.
(*) عضو «تكتل الجمهورية القوية»