نصّت المادة/52/ من الدستور اللبناني صراحةً، أن مَن يتولّى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية، وإبرامها، هو رئيس الجمهورية بالإتّفاق مع رئيس الحكومة، علماً، أن المادة المذكورة مأخوذة من نصّ المادة الثامنة من القانون الدستوري الفرنسي تاريخ 16/7/1875 التي نصّت على ما حرفيّته: “le president de la république négocie et ratifie les traités… “.
كذلك، جاء هذا النّص مُتطابقاً مع نصّ المادة/52/ من الدستور البولوني تاريخ 23/4/1975.
وفي الأساس، أُعطي هذا الحق إلى “الملك” أو “رئيس الدولة”، استناداً إلى كونه يُمثّل عنصر الثبات، فيؤمّن استمرارية الحُكم في الدولة، خصوصاً في المراحل التي تتغيّر فيها الحكومات. وذلك ثابت في المراجع الدستورية (الموسوعة الدستورية للدكتور أنور الخطيب) والفقهاء ” Duguit” و” Esmein” و” Pierre”.
والمقصود دستوراً بالمعاهدات الدولية، هو كلّ معاهدة أم إتّفاق أم تفاهم، يكون لبنان طرفاً فيه، مع أي دولة أم مجموعة دول أم مُنّظمات أم هيئات دولية أم أُممية أو ما شابه، مهما كان نوعها أو مضمونها (سياسية، إقتصادية، مالية، تجارية، ثُنائية، عسكرية، أمنية، قضائية، حدودية…) حتى أنّ أي تعديل لأي اتفاقية أم معاهدة، أم تفعيل لها، أم إضافة عليها، أم… بحاجة إلى تفاوض وإبرام، وهذه الصلاحية محصورة برئيس الدولة.
وبالعودة إلى أحكام المادة/52/ من الدستور، يتبيّن جليّاً أن المعاهدات الدولية وحتى تُصبح نافذة، يجب أن تمرّ في أربع مراحل، بشكل متتالٍ ومتعاقب:
مرحلة المفاوضة والإبرام من قِبَل رئيس الجمهورية بالإتّفاق مع رئيس الحكومة.
مرحلة الإبرام الإجرائي في مجلس الوزراء.
مرحلة الإبرام التشريعي في مجلس النواب.
مرحلة النفاذ (الإصدار وطلب النشر) من قبل رئيس الجمهورية.
ثابت واستنادًا إلى صراحة النّص، أنه لا يُمكِن الانتقال من مرحلة إلى أُخرى، إلاّ بعد استنفاد المرحلة التي تسبق إيجاباً.
مما يُفيد، أن صلاحية رئيس الجمهورية بتولّي المفاوضات، لا يُمكن تجاوزها أم اختزالها أم اختصارها. وبالتالي، لا يُمكن الانتقال إلى مرحلة “الإبرام الإجرائي” من قِبَل مجلس الوزراء، قبل استنفاد المرحلة الأولى المتعلّقة بالتفاوض والإبرام من قبل رئيس الجمهورية بالإتّفاق مع رئيس الحكومة.
أمّا اليوم، فمَن يتولّى التفاوض هو “حزب” ورّط لبنان في حربٍ ضروس، وليس الدولة اللبنانية على الإطلاق.
ومَن كان يُفترض أن يُفاوض هو رئيس الجمهورية (وفي غيابه مجلس الوزراء مُجتمعاً) وليس “حزب الله” بكلّ تأكيد.
وبالتالي، أي اتّفاق ينتج عن هكذا تفاوض باطل، فهو باطل حُكماً عملاً بقاعدة :”ما بُنيَ على باطل فهو باطل”. ولا يُمكن مُستقبلاً عرضه على مجلس الوزراء للإبرام الإجرائي، كونه جاء نتيجة تفاوض لم تكن الدولة ممثّلة فيه.
أمّا لجهة الإجراءات، وكون هذا الإتفاق من الاتفاقات التي لا يمكن فسخها سنة فسنة، فيقتضي على مجلس الوزراء وبعد موافقته عليه، إحالته إلى مجلس النواب للإستحصال على إجازة إبرام له.
مع الإشارة، إلى أن دعوة برّي لميقاتي بإعلان الإتّفاق من السراي الحكومي، باسم لبنان، لشرعنته أصولاً، لا يستقيم دستوراً لأن إبرام الاتفاق إجرائياً هو من صلاحية مجلس الوزراء حصراً، وليس رئيس مجلس الوزراء منفرداً على الإطلاق.
في الخُلاصة، يُفترض برئيس الحكومة ردّ أي اتّفاق يَرِده (عندما يصله)، ورفض عرضه على مجلس الوزراء، كونه لا يُمثّل الدولة من جهة. ومن جهة أُخرى، لمخالفته الدستور، ولثبوت تجاوزه لِدَور وصلاحية رئيس الجمهورية (المُمثّل راهناً بمجلس الوزراء) وعملاً بقاعدة “ما بُني على باطل، فهو باطل حُكماً”.