IMLebanon

متى يُسدل الستار على حكاية جهنم

 

طغت على ساحة الأحداث مؤخرا، مستجدات خالفت التوقعات العامة التي أنتظرها كثيرون، منها المواقف التي افتُرضَ حصولها في الولايات المتحدة نتيجة الإنتصار الذي حققه الحزب الديمقراطي في الإنتخابات الرئاسية التي فاز بها بايدن ذو العلاقة الوطيدة والحميدة مع الرئيس الأميركي الأسبق، أوباما، الذي كان له «الفضل» في تحقيق الإتفاق النووي مع إيران متجاهلا كل حدود المنطقة العربية التي وجدت نفسها في إطار ملتهب من النزاعات المطعمة بوقائع ولاية الفقيه وتوجهاتها، وكان للبنان من هذا الحدث المستجد نصيب الاسد من خلال الوجود المتحكم به وبواقعه وبمصيره.

بأفول نجم الرئيس الأميركي السابق ترامب، توقع كثيرون إنقلابا هاما في توجهات الأوضاع الأميركية بصدد النظام الإيراني، وكانت الأنظار الإيرانية في حالة انتظار على أحرّ من الجمر لوصول نقيض العدو المفترس لنظام الملالي والمتمثل برئيس الولايات المتحدة (ترامب) الذي سارع منذ وصوله إلى سدة حكم بلاده فسحبها من الإتفاق النووي وأجوائه ولواحقه، وتشدد في فرض سيل من العقوبات التي ألحقت خنقا مستمرا على أعناق الوطن والمواطنين الإيرانيين.

ورغم أن الأوضاع المتشددة قد خففت من بعض الحدّة التي كانت معتمدة من قبل الرئيس الأميركي السابق، إلاّ أنه سريعا ما تبين أن العهد الأميركي الجديد ما زالت تحكمه مواقع الدولة الأميركية العميقة، وأن معظم المواقف الحادة التي اتخذها الرئيس السابق، ما زالت قائمة وهي تميل إلى التشدد إلى إعادة النظر في الإتفاق النووي بحيث تتوسع إطاراته في الأمور التي أغفلتها إرادة الرئيس أوباما، استعجالا منه في إنهاء عملية التفاوض مع إيران وفي تحقيق مكاسب شعبوية وانتخابية عمد إلى فرضها على شركائه الأوروبيين في الإتفاق النووي مدعّما هذه المرّة بتوافق أوروبي، ودعائهم أخرى متمثلة بشكل خاص بالمملكة العربية السعودية وبمطالب حادة وجادة لإخراج منطقة الشرق الأوسط التي أطبقت عليها براثن المطامح الإقليمية المعروفة.

وعليه، كلّ الإحتمالات التي كان العالم يصبو إليها ويعلق على احتمالاتها المتناقضة في الآمال الإنقاذية، باتت ترد هذه المرحلة التي حفلت بالتغيرات والمستجدات شديدة الوقع والأثر، والتمازج مع أوضاع صحية متمثلة بوباء الكورونا وما تركته في العالم كله من آثار إنقلابية صحية إلى حدود وصلت إلى نتائج إنسانية قاتلة خلفت في أوساط العالم بأسره، جملة ممن اختارتهم الإرادة الإلهية إلى عليائها ونصيب الناس منها المتراوح بين الموت والحياة، وحلت بين البشر بدولهم ومجتمعاتهم كافة، موجات اقتصادية سلبية، شكلت جملة من الضربات التراجعية المؤثرة بالنسبة للبعض، وكوارث جالبة للإنهيارات الوطنية والحياتية بما جعلها تتموضع في إطار مأساوي فادح دفع بها إلى مهاوي جهنم، كما هو شأن لبنان المنكوب، وتتجاوز الأوضاع بعمومياتها، ونتابع المأساة اللبنانية بكل معالمها التي انهمرت مآسيها على بلدٍ أبرز ما فيه، إنقلاب رخائه الإقتصادي والحياتي والحضاري والثقافي، إلى هذه الجهنم المستجدة التي انحدر إليها بصورة حادة منذ بدايات العهد القوي الذي يكاد أن ينفي صفاته السلبية ومع تأكيد قوي هو الآخر، بأن منظومة المسؤولية، والمظلات التي حمتها وغطّت على موبقاتها، تشارك الكل في عمليات القتل الإقتصادي التي أخرجت فيها كل آثار العملة الصعبة من البلاد وأعملت في أموالها وأموال الناس وجنى عمرهم، سرقة ونهبا وتهريبا إلى الخارج، وغوصا في كل أنواع الإساءة إلى الوجود الوطني الذي يكاد في هذه الأيام أن يلفظ آخر أنفاسه، تاركا للمحظوظين من أبنائه، إمكانية محدودة للفرار بأنفسهم من أبواب الهجرة التي تبقّت لهم من خلال أوضاع وفرص طبيعية.

وماذا بعد؟

منذ أن فتحت أبواب للإنقاذ والخلاص للبنان واللبنانيين من خلال المبادرة الفرنسية، ويعيد الآمال العريضة التي أطلقها الرئيس ماكرون من أماكن شعبيته مختلفة ومن القصر الجمهوري وقصر الصنوبر، وبعد «التوافق» الذي تلقاه من قبل الكتل النيابية اللبنانية المختلفة وفي طليعتها رجال الحكم، متضمنا موافقة الجميع على المبادرة الإنقاذية الفرنسية، وبعد أن تمت بعض المبادرات التنفيذية في هذا النطاق تمثلت في محاولة تأليف حكومة «مهمة» برئاسة السفير مصطفى أديب، ومن ثم بعد أن اخترق الرئيس سعد الحريري أطر التحضيرات الكلاسيكية والشكليات ورشّح نفسه من خلال توافقات نيابية ساعد على صياغتها وتنفيذها، الرئيس بري ، برز «النزاع والشقاق» ما بين الرئاستين الأولى والثالثة، وبينهما أولاد الحلال من اصحاب الطموحات التي تحددت برغبة رئيس الجمهورية بتأمين الخلافة الرئاسية وفقا لما هو معروف، وبرزت إلى الوجود انشقاقات هربت من التوافق الحاصل برعاية الرئيس ماكرون، ومرّت أسابيع وأشهر، ومصير البلاد معلق على أوضاع يمكن أن تحظى بكثير من الصفات والنعوت الهادفة إلى الحفاظ على الوطن، دولة وشعبا ومؤسسات، واذا برئيس البلاد يبشر شعبه بالهبوط إلى جهنم وبئس المصير، وحطت في القصر الجمهوري أربعة عشر لقاءً ما بين الرئيسين، مصحوبة بإتصالات هاتفية لا تعد ولا تحصى، وبمداخلات توفيقية تعيد الأحداث المتدهورة والوطن المتعثر إلى مسارها السليم، وانقضت أسابيع وأشهر على «التكليف الطبيعي»، فلازمها تعثر وفشل واساليب مدهشة لخصومات تنال من الوطن إلى حدود الزوال دون أن يتبدى منها بصيص نور وبوادر أمل.

حتى الآن، صراعات دون طائل، والبلاد تغرق في أعماق الدمار والخراب والغوص في غياهب الدولة التي باتت في صميم التخلّف، والوطن الذي بات مهددا بالإنفراط والزوال.

هذا هو الواقع السائد الذي يحاول كثيرون تخليصه من براثن الذئاب المتناطحة والمُعملة نهشا في جسد الوطن وحياة مواطنيه. المسرحية مستمرة، متى يُسدل الستار، وتنتهي الحكاية المأساة؟