IMLebanon

لبنان “مدوّل” سلبياً عبر تدويل الأزمة

 

لبنان، مثل لقمان سليم، بطل في”قصة موت معلن”. لقمان سجّل موته، وكان يعرف أن قاتله ليس عشوائياً بل يقرر تنفيذ الجريمة حين يصبح حذف الرجل ضرورياً في خدمة مشروعه على طريقة ستالين القائل: “لا رجل لا مشكلة”. ولبنان ينتظر موته، وهو ينزف ويعرف أن قتلته على نوعين: واحد يقتل بالتفاهة والجشع والتذاكي وادعاء الحب. وآخر ليس مستعجلاً بل يعمل على مراحل لإفراغ البلد من جوهره وتغيير طبيعته قبل توجيه الضربة القاضية. وفي الحالين يتحرك القاتل مطمئناً الى أنه فوق المحاسبة والقانون. أما المؤمنون بقيامة لبنان، فإنهم يعزّون أنفسهم بكونهم أهل رجاء. وأما المصرّون على إنقاذه من الموت، فإنهم يراهنون على ما ليس في اليد.

 

ذلك أن اللعبة في الداخل معطلة. ومن الصعب رؤية الأمم المتحدة تقنع الكبار وتلبي دعوة البطريرك الراعي الى مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان. لكن من السهل أن نتذكر الماضي ونرى في الحاضر أن لبنان كان ولا يزال مدوّلاً: سواء في إطار”التدويل الايجابي” أو في إطار”التدويل السلبي”. ونحن اليوم في التدويل السلبي، حيث تبدو أية خطوة في لبنان مرتبطة بما يحدث في المنطقة والعالم من صراعات ومفاوضات واتفاقات، كأننا في أزمة أكبر من الحكومة لا حل لها إلا على التوقيت الخارجي.

 

والتاريخ ناطق. مصير الإمارة الشهابية ارتبط بمصير الحملة المصرية بقيادة ابراهيم باشا والصراع مع السلطنة وتنافس القوى الأوروبية. حل”القائمقاميتين” كان اقتراح المستشار النمسوي مترنيخ. حل”المتصرفية” بعد صراع محلي بإشراف دولي، جاء باتفاق بين الدول السبع الكبرى في القرن التاسع عشر. لبنان الكبير ارتبط باتفاق “سايكس ـ بيكو” ثم مؤتمر فرساي بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط السلطنة. وقمة التعريب والتدويل بعد حرب لبنان التي انخرطت فيها كل الدول وكانت “اتفاق الطائف” الذي تبنته الأمم المتحدة ويتعرض للقتل هنا.

 

والتكبير ليس جديداً. فنحن نميل دائماً الى تغطية قضايانا الصغيرة بالمبالغة في ربطها بالقضايا الكبيرة في المنطقة والعالم. كل شكوى من “قائمقام” كانت تصل الى مترنيخ. وفي كتاب “تاريخ لبنان الحديث” قول معبّر سجّله المؤرخ كمال الصليبي وهو: “إنه إذا أهرق فنجان قهوة صارت القضية فرنسوية- انكليزية”. وماذا نسمي اليوم تكبير الخلاف الشخصي والفئوي على الحكومة بالايحاء أنه قضية أميركية -ايرانية-سعودية تحاول فرنسا الحوار مع العواصم للسماح بتأليف حكومة؟

 

كان رئيس مجلس النواب الأميركي تيب أونيل يقول: “كل السياسات محلية”. لكن روبرت مالي رئيس مجموعة الأزمات الدولية والمعيّن حديثاً موفداً أميركياً خاصاً بالشؤون الإيرانية عكس الآية مؤخراً بالقول: “كل السياسات كونية”. ونحن أسرى القولين.