لدى منظمة الأمم المتحدة لائحة بأسماء الدول الفاشلة في العالم. يزيد عدد هذه الدول على خمسين دولة. بينها الصومال في افريقيا وافغانستان في آسيا والعراق في الشرق الأوسط. قبل الرابع من آب 2020 كان لبنان مرشحاً للإنضمام الى هذه اللائحة. بعد انفجار المرفأ أصبح من أعضائها. الآن يتصدر اللائحة. مبروك. «لنا الصدر دون العالمين أو القبر».
تحدد الأمم المتحدة مواصفات الدول الأعضاء في لائحة الدول الفاشلة. ابرز هذه المواصفات هي : عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، الفقر، الاضطراب المدني، الارهاب، التجارة بالبشر، الصراعات العرقية والدينية، الأمراض.
توفرت كل مواصفات الدولة الفاشلة، ولو بدرجات متفاوتة، في لبنان. ما لم يتوفر –بحمد الله- هو ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. بمعنى أن تبادر فئة ما على إبادة فئة أخرى، كما حدث في الكونغو مثلاً بين قبائل التوتسي والهيتو، او كما حدث قبل ذلك في يوغسلافيا السابقة بين الصرب والكروات، وبينهما والبوسنيين، أو كما يحدث الآن في الصين لشعب الإيغور، حتى لا نقف تاريخياً أمام إبادة الهنود الحمر في الأمريكيتين.
مع ذلك ففي لبنان اليوم شكل من أشكال الإبادة التي تشمل فئات المجتمع اللبناني، ولكنها إبادة بطيئة تنفَذ على مراحل، ولا تترك فرصة للنجاة إلا بالهجرة.
من مظاهر ذلك، البطالة والجوع واختفاء الدواء وتهريب المحروقات، وتهجير الأطباء والممرضات وغيرهم من أصحاب الكفاءات والاختصاص العلمي العالي. وفي مقدمة ذلك تحويل الحكم من أمانة الى سمسرة. ومن ديموقراطية الى «كاكيستوقراسية Kakistocracy» (وهو الاسم اليوناني للدولة الفاشلة).
وكما في كل جريمة إبادة جماعية فان المرتكب يعتبر نفسه منقذاَ ومخلّصاً. ولبنان ليس استثناء. ولأن مدّعي الإنقاذ والإخلاص كثر، فان الإبادة إبادات. وأول المبادين في لبنان كانت رسالته. أما طائر الفينيق فقد قُتل وأُعيد قتله مرات عديدة في السابق. حتى انه لم تعد له قيامة.
يقول مؤلفا كتاب «معالجة الدولة الفاشلة : نحو إعادة بناء عالم ممزق»، اشرف غاني وكلير لوكهارت ان الدولة الفاشلة تعاني من أمرين :
الأمر الأول هو عدم إدراك افتقادها للعناصر التي تحتاج اليها من أجل أن تلحق بركب الدول الأخرى من أجل إعادة بناء جسور التفاهم والتعاون بين شعبها وشعوب العالم الأخرى.
الأمر الثاني هو عدم إدراك المجتمع الدولي للحاجات الأساسية التي تحتاج اليها الدولة الفاشلة للخروج من وحول الفشل والتوجه نحو حياة أفضل.
والأمران ينطبقان على لبنان اليوم. فأهل السلطة لا يعرفون ماذا يريدون للخروج من دائرة الفشل، انهم يعتبرون أنفسهم في قمة النجاح. ولذلك فان العالم لا يعرف كيف يساعدهم، بل لا يستطيع أن يساعدهم للخروج من فشل لا يعترفون به في الأساس، بل ويعتقدون انهم يعيشون الحياة الأفضل.
أمران يؤكد الكتاب على ضرورتهما في التعامل مع الدولة الفاشلة ؛ المحاسبة والشفافية. غير ان هذين الأمرين هما مثل فيروس الكورونا الذي يحرص الجميع على تجنّبه !!
يتحدث القرآن الكريم عن الدولة الفاشلة من خلال نصّ ورَدَ في سورة النحل.
تقول الآية (112) : « وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان (الدولة الناجحة) فكفرت بأنعم الله (عمّ الفساد) فأذاقها الله لباس الجوع والخوف (الدولة الفاشلة) بما كانوا يصنعون».
كان لبنان (الرسالة) دولة آمنة مطمئنة يأتيها الكافيار من ايران، فاستُبدل بولاية الفقيه. والطحين من كندا والولايات المتحدة واللحوم من استراليا والبرازيل فاستُبدل بتأشيرات الهجرة.. فكفرت بأنعم الله، إذ عمّ فيها الفساد وأصبح الكذب «ملح الرجال» ومن كثرته أدى الى ارتفاع ضغط المجتمع أفراداً وجماعات. وعمّت البطالة وتوقف الانتاج وانقطع دخل الدولة، وجاء وباء الكورونا «شحمة على فطيرة» كما يقولون، «فأذاقها الله لباس الجوع والخوف».
وهو ما يعاني منه لبنان اليوم !!
في كتاب معالجة الدول الفاشلة يقول المؤلفان « ان الافتقار الى القيادة هو أحد أهم أسباب فشل الدولة، وكذلك فشل محاولات إخراجها مما تعاني منه».
صحيح ان المؤلفيْن يبدوان هنا وكأنهما يتحدثان عن لبنان اليوم، إلا ان الكتاب صدر في عام 2008، اي قبل 13 عاماً من اليوم !!.. يومها لم يكن لبنان معنياً لأنه كان يعتبر نفسه وطن الرسالة !!.