IMLebanon

لبنان… وثقافة إدارة الأزمات

 

استطاع مجتمع النزاع اللبناني الاستمرار نتيجة قدرته على الاستثمار في الازمات الامنية والاقتصادية والاجتماعية التي تقوض اسباب قيام الدولة وشروطها، وذلك منذ اعلان دولة لبنان الكبير في ١٩٢٠ تحت الانتداب الفرنسي بعد الحرب الاولى وصولا إلى دولة الاستقلال ٤٣ والتي جاءت باحتضان بريطاني بعد احتلال باريس خلال الحرب الثانية، ودولة الاستقلال انتهت مع اول نزاع اهلي مسلح في ٥٨ بين حلف بغداد ودولة الوحدة العربية ونزول ١١ الف جندي اميركي في بيروت وصولا الى هزيمة حزيران ٦٧ ونهاية الديغولية في فرنسا ٦٨ وضرب مطار بيروت من قبل اسرائيل وصولا الى اتفاق القاهرة ٦٩ ونهاية فكرة الدولة السيادية وتحويل لبنان الى ساحة نزاعات بديلة ومستمرة حتى كتابة هذه الكلمات.

 

مجتمع النزاع في لبنان قائم على التناقضات والتقابلات التي ساهمت في ديمومته واستمراره الى ان اصبح وظيفة لبنانية مستقرة تتنافس على الاستئثار بمغانمها كل المكونات السياسية، وخصوصا بعد عام ٧٥ حيث استوعبت تنظيمات النزاع شريحة كبيرة من شباب لبنان الذي اصبح استقراره ودخله قائم على الانخراط بالنزاعات، واستوعبت ايضا كل النخب الاعلامية والثقافية للترويج لاستدامة النزاع تلك الافة الفتاكة التي سلبت اللبنانيين استقرارهم وازدهارهم ومستقبل اجيالهم، واصبحت تشكل الثقافة اللبنانية الوحيدة والجامعة رغم ادعاءات البعض بالتعددية الثقافية في لبنان، في حين ان الحقيقة هي ان كل اللبنانيين لديهم ثقافة احتقار السيادة والكيان وتعدد الولاءات الخارجية على حساب الهوية الوطنية واستباحة المال العام والقتل والتهجير والدمار.

 

ان ثقافة النزاع الجامعة تقوم على البحث الدائم عن نزاعات وتمويلات جديدة التي تتطلب طرفين او اطراف مع الضرورة الدائمة في تأمين ادارة ازمات خارجية والتي اصبحت تشكل ثقافة اضافية وخصوصا بعد التموضع السوري في لبنان قرابة الاربعين عام في وظيفة ادارة الازمة والذي اجتهد في تدريب وتخريج معظم القوى التي تهمين على الواقع السياسي وبعد الخروج السوري ٢٠٠٥ تنطح بعض الاطراف اللبنانية الى مغامرة ادارة النزاع في لبنان، وتلك العملية كانت مغامرة غير موفقة اوصلت البلاد الى الفوضى المدمرة التي يعيشها لبنان منذ ٤ اب ٢٠٢٠ حيث اظهرت كل القوى عجزها وتحولت مجتمعة امام جمهورها الى اكوام من الحطام السياسي.

 

جاءت المبادرة الفرنسية الاقتصادية الاجتماعية الانقاذية بعد تفجير ٤ اب وبالتعاون مع اصدقاء لبنان، فسارعت القوى السياسية الى تحويل مبادرة الرئيس الفرنسي من عملية انقاذية الى ادارة ازمة سياسية وبدأت بتظهير المهارات والشطارات حتى طار لبنان من بين ايديهم وتغيرت الاولويات الاقليمية والدولية بعد تطورات كورونا العالمية ونتائج الانتخابات الاميركية، وان ما سمعناه في الساعات والايام الماضية من احاديث وتصريحات تجعلنا نؤكد ان مجمل القوى السياسية في لبنان هي في حالة عجز تام وتحولت من مراكز قوى داخل النظام الفاسد الى اعباء ثقيلة على ذلك النظام وتغامر بوحدة المجتمع والكيان.

 

الايام القادمة ستحاول القوى السياسية اعادة استجماع قدراتها من اجل الحفاظ على ديمومتها السياسية والطائفية والامنية والعسكرية، ولا مانع لديها من تغيير النظام او اعادة النظر بالحدود والكيان، عبر تجديد التحالفات والتهويل بعودة الاغتيالات مع مظاهر العنف والتفلت الامني، وكل هذه الاحتمالات هراء بهراء فليس هناك اغتيال سياسي محتمل يمكن ان يضاهي اهوال تفجير ٤ اب مما يحتم علينا التخلي عن الانتدابات والوصايات وعن ثقافة ادارة الازمات والانتقال الى ثقافة ادارة الحلول والانتظام وتحمل المسؤوليات.