هل مكتوب على لبنان ان يعيش بين الازمات، ومن ازمة الى ازمة حتى يكاد هذا الوطن الصغير الجميل يفقد بريقه وميزات التنوع فيه ، كأنه مكتوب عليه ما ان ينتهي من حرب داخلية الى عدوان إسرائيلي تلو العدوان واحتلال الجنوب 18 سنة ، وقبلها حرب السنتين وكل ذلك ادّى الى هجرة لأغلى ما يملك لبنان وهي هجرة شاباته وشبانه والادمغة اللامعة لينتشروا في انحاء العالم ، وتربحهم مجتمعات أخرى ودول عديدة ، بعدما تكون العائلة قد قامت بتربية الأطفال من الولادة حتى اعمار العلم في الجامعات، ثم تكتشف الفئة الشابة في لبنان ان الحكام والطبقة السياسية المسؤولة عن إدارة شؤونهم ،طبقة فاسدة وسارقة ومرتكبة مع كل المسؤولين، ويكتشفون ان لا مستقبل لهم في لبنان فيهاجروا الى الخارج ، وهم مقهورون ويائسون لأنهم يحبون وطنهم لبنان ويهاجرون رغماً عن رغبتهم البقاء فيه.
حصل انفجار رهيب في مرفأ بيروت وأودى بحياة حوالي 200 شهيد و6 الاف جريح ، ودمّر ثلث العاصمة بيروت. والسبب هو الإهمال على ما يبدو من تحقيقات دول اجنبية ، وليس عملاً تخريبياً تفجيرياً لمادة نيترات الامونيوم التي بقيت 9 سنوات في مرفأ بيروت دون سحبها الى خارج الأراضي اللبنانية.
خسارة كبيرة نتجت عن انفجار مرفأ بيروت بشراً وعمراناً وبدل تضميد الجراح اثر هذا الانفجار الرهيب ، انفجرت ازمة سياسية ضخمة أطاحت بالحكومة القائمة يومها وتعثر تأليف حكومة مرتين الى ان تم تأليف حكومة برئاسة نجيب ميقاتي ، وقاطعها الثنائي الشيعي نتيجة التحقيق العدلي الذي طال رئيس حكومة سابق و4 وزراء ونواب.
تعطّلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في وقت يحتاج لبنان الى التعافي الاقتصادي بأسرع وقت ، وإعادة اعمار فيما كان الانفجار في ثلث العاصمة بيروت.
وبدل التوافق على حل لمعالجة الإهمال ، جاء التحقيق العدلي بقرارات قاسية واستنسابية دون النظر الى ان العدالة هي اما ادانة كل من كان مسؤولا طوال مدة وجود المادة المتفجرة وعدم حصرها بخمس شخصيات واعتبارهم المسؤولين الوحيدين عن الانفجار.
تحول التحقيق العدلي الى صراع سياسي، والرمزان في هذا الصراع هما فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ودولة الرئيس نبيه بري رئيس مجلس النواب.
صدرت مذكرة جلب بحق رئيس الحكومة السابق الدكتور حسان دياب، واذا كان المحقق العدلي القاضي طارق البيطار يريد ان يكون عادلاً فعليه اصدار مذكرات جلب بحق كل رؤساء الحكومات الذين توالوا على الحكم مدة 9 سنوات ، وهي المدة التي وضعوها في العنبر رقم 12 في اهراءات مرفأ بيروت.
لم يفعل ذلك المحقق العدلي بل استنسب تحديد المسؤولية على الرئيس حسان دياب.
اما وزير المال ووزير الداخلية ووزير الاشغال فلقد توالى عدد كبير من الوزراء على وزارات المالية والداخلية والاشغال ، واذا كان المطلوب توقيف النواب علي حسن خليل ونهاد المشنوق وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس لأنهم كانوا وزراء يقع ضمن مسؤولياتهم مرفأ بيروت فكان يجب اصدار مذكرات توقيف بحق جميع من توالوا على وزارات المالية والداخلية والاشغال.
التحقيق العدلي تنقصه العدالة وقرارات المحقق العدلي القاضي طارق بيطار استنسابية.
اما المشكلة الكبرى فهي غياب الروح الوطنية التي تؤدي الى الوحدة الوطنية ، والوحدة الوطنية تعني وحدة الحياة على ارض واحدة تشكل ارض الوطن.
الوحدة الوطنية غائبة عندنا والوعي الوطني غائب أيضا والمصلحة الوطنية العليا غائبة ، بل لبنان يعتبر من اجمل اوطان العالم جغرافياً وطبيعياً وبيئياً ، وشعبه رمز للشعب الذي تحمّل ويتحمّل الويلات والأزمات، لكن المصيبة هي في الحكام وفي الطبقة السياسية منذ الاستقلال ، لان الشعب اللبناني رائع ومتميز ومتفوّق، لكن مرض الهجرة اصابه، ذلك ان المرض في وطنه ابشع من مرض الهجرة.
والشعب اللبناني شعب يحب وطنه ، لكن المسؤولين والحكام يكرهون شعبهم ويحتقرون شعبهم اللبناني، ومعظمهم ازلام للخارج واكبر دليل على محبة الشعب اللبناني للبنان ما اظهرته الإحصاءات من ان 700 الف لبناني واكثر وصلوا الى لبنان لتمضية الأعياد بين أهلهم وفي ربوع وطنهم الذي يعشقوته.
لولا الهجرة لحصلت ثورات شعبية أطاحت بالمسؤولين والطبقة السياسية ، لكن الهجرة على مدى اكثر من 40 سنة لـ 4 ملايين شاب وصبية واب لعائلة وزوجته وكل ذلك أدى الى عدم قيام ثورة شعبية تطيح بهؤلاء الذين حكمونا وما زالوا يحكموننا حتى الان.
وأكبر مثال على ذلك انه خلال سنة واحدة هاجر 250 الف صبية وشاب وعائلات من لبنان ، خصوصا الشباب والصبايا وهم من المتفوقين في الجامعات في لبنان، وخسرهم لبنان بدل أن يبنوه ويقدمون من ابتكارات ادمغتهم كل جميل وابداع.
كان يجب ان نضع أيدينا بأيدي بعضنا كشعب لبناني واحد، بدل ان يتحوّل التحقيق العدلي الى انقسامات للشعب ، وللطبقة السياسية التي تظهر على التلفزيونات وهي تضحك ، فيما عائلات ما زالت تبكي موتاها والجرحى يضمدون جروحهم والعائلات تعيد بناء بيوتها والحكومة معطلة ومذكرات التوقيف تتتالى بصورة فورية ، ومذكرات جلب بحق رئيس وزراء سابق وكل ذلك يتم طبخه تحت الطاولة في صراع الرئيسين عون وبري.
اما الذي اشعل فتيل التفجير فهو استنسابية التحقيق العدلي في انفجار المرفأ.
أيها اللبنانيون اتحدوا ولا تكونوا بعد اليوم قطيعا لا يعبر عن مشاعره الوطنية ولا تهاجروا وأنتم مقهورون لعلكم اذا بقيتم في لبنان تصلحون الوضع.
كم أنا حزين على هجرة شعبي من لبنان.