صباح أمس فاجأني الصرّاف الآلي بأن أنزل من فتحة بطنه رزمةَ أوراق نقدية من فئة العشرين ألف ليرة ملأت جيبي حبوراً بددته بعد الظهر بعمليتي ترصرص: الأولى للدواليب والثانية لناجذ منخور.
قبل إنجاز العمليتين،عزمتُ كمواطن لا يزال صالحاً للسير على تسديد رسوم الميكانيك، للتخلص من الإنتفاخ في الجيب الأيسر فنظر إلي صاحب مكتب الـ omt ساخراً وبادرني بالسؤال: إنت وين عايش؟ أوراق المعاينات مفقودة منذ فترة في مراكز الـ omt الـ 1200.
إنتقلت إلى مكتبة مجاورة لشراء طوابع من فئة الألف ليرة أحتاجها لتصديق إفادات جامعية في الأونيسكو، حدجتني الموظفة السمراء بنظرة استغراب: شو عم تطلب؟ إنت وين عايش ؟ لم نستلم طوابع منذ سنة، وهي متوافرة فقط في السوق السوداء. أعرف سوق أبو النصر وسوق النجارين وسوق مار الياس وسوق الخضرا وسوق الخان وسوق الـ… لكن أين تقع السوق السوداء؟
وتذكرت أمس وجوب استصدار إخراج قيد جديد لزوم جواز سفر، فهرعت إلى الأشرفية مذعوراً، ودخلت على مختار المحلّة متوقعاً أن يبادرني بأن أوراق إخراجات القيد الخضر قد نفدت من المديرية العامة للأحوال الشخصية، كما حصل قبل أشهر، لكنه طمأنني إلى توافرها لكن محمود موفده الشخصي إلى الدوائر الرسمية خارج السمع. تزوج وسافر في شهر العسل إلى الشقيقة تركيا.
لا “أوراق ميكانيك” لا “أوراق بول” لا أوراق إمتحانات لا أوراق إنتخابات لا أوراق نقدية لا أوراق لطبع الموازنة وتوزيعها على الوزراء الأحباء ولا حتى أوراق تواليت في دولة “طالعة ريحتها”. قبل أيام وجّهت وزارة الخارجيّة والمغتربين برقيّة إلى السفارات اللبنانيّة طلبت فيها التوقّف عن صرف النفقات في المجالات التالية: القرطاسية، والمحارم الورقيّة على أنواعها، والمعقّمات، ومياه الشرب.
أتت هذه البرقيّة بعد عشرة أيّام على إصدار الوزارة تعميماً طلبت فيه من سفاراتها تغطية تكاليفها من خلال جمع التبرّعات من الجاليات اللبنانية.
ما البديل عن أوراق التواليت؟ أوراق الصحف والمجلات والكتب. لكن حتى تلك طاولها التقشّف. فماذا يفعل الجسم الديبلوماسي المزحوم؟
أنا وين عايش؟
في أي بلد؟
لو لم يكن يوم غد عيد ميلاد السيد رئيس الجمهورية اللبنانية لما عرفت في أي بلد أعيش!