الكباش السياسي إلى اشتداد .. واتجاه لبيع البنزين في المحطات بالدولار
في لبنان وخارجه ثمة من يعتقد ان الأزمات المتشعبة التي يعانيها هذا البلد، «فالج لا تعالج»، وبالتالي فإنهم يرون أن كل ما يجري من محاولات انقاذية لن يوصل الى النتائج المرجوة، لا بل يجزمون بأن الأوضاع ذاهبة إلى المزيد من التفاقم خصوصاً على المستويين النقدي والمعيشي، وهم يعزون ذلك بأن الأزمة التي تشد على خناق اللبنانيين منذ سنوات ليست وليدة أسباب داخلية بالكامل، بل هي ناجمة عند صراعات إقليمية ودولية تستخدم لبنان ورقة في تداول الرسائل التي لا دخل للشعب اللبناني بها لا من قريب ولا من بعيد.
ويؤكد هؤلاء بأن المشهد اللبناني من جميع زواياه محاط بكثير من الضبابية والقلق، وأن من يعوّل على إمكانية أن تحدث الانتخابات النيابية إن هي حصلت تغييرات في المشهد الراهن في الاتجاه الإيجابي لا يفقه من الواقع اللبناني شيئاً، فإما هو يتقصَّد الافراط بالتفاؤل لغاية الحد من التدهور الحاصل، أو انه يستند إلى معلومات مغلوطة القصد منها تشويش عقل الرأي العام اللبناني بما يجعله يذهب في اتجاه معاكس حيث هي الامور ذاهبة بالحقيقة.
هل تتولى الفوضى تطيير الانتخابات فترتاح القوى السياسية من تحمُّل وزر هكذا قرار؟
ووفق المعطيات الموجودة فإن الساحة الداخلية مقبلة على الكثير من المفاجآت غير السارة، كون أن التحضيرات الجارية لخوض عمار الانتخابات النيابية تجري وسط ازدياد في منسوب الأزمات المعيشية والاقتصادية والتي باتت تنذر بإمكانية الدخول في فوضى من الممكن ان تضيع معها كل المحاولات التي تجري لفرملة اندفاعة هذه الازمات والحد من تأثيراتها الخطرة على غالبية شرائح المجتمع اللبناني، كما انها تحصل أيضاً في ظل توترات إقليمية ودولية تبعث على الخوف من إمكانية انفلاتها من عقالها بما يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة انطلاقاً من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، حيث تجزم الوقائع بأن أي مؤسّسة لدائرة الصراع الموجودة حالياً سينتج عنها حرب تدميرية يطال ضررها العالم بأسره، وهو ما يحذر منه كل المتابعين لمسار هذه الحرب.
وإلى جانب الاستعدادات الجارية لمعركة الانتخابات هناك بطء كبير في عملية احتواء الأزمة، لا سيما وأن كل المعنيين يُدركون كامل الادراك، بأن أي محاولة داخلية للمعالجة لن يكتب لها النجاح كون أسباب الازمة الراهنة تفوق قدرة اللبنانيين لوحدهم على المعالجة، وهي باتت تتطلب أكثر من أي وقت مضى لتدخل المجتمع الدولي وتقديم يد المساعدة للبنان، وهذا التدخل على ما يبدو ما زال يواجه نوعاً من الفيتوات الدولية التي ترى أن خروج لبنان من أزمته لم يحن بعد، وأنه ما زال صالحاً للاستخدام كورقة في الصراع الحاصل على المستويين الإقليمي والدولي، مع الإشارة إلى أن أي مساعدة لا يمكن أن يُكتب لها النجاح من دون أن يكون هناك من مقابل، على الرغم من التطمينات التي يتلقاها المسؤولون في لبنان من أكثر من جهة معنية.
لقد أُطلقت في الأيام القليلة الماضية جملة من المواقف أظهرت بما لا يدعو لأي شك بأن الأزمة في لبنان معلقة على حبال أزمات المنطقة، ومن هنا فإن المتابعين لملفات المنطقة، يرون أن لبنان بحاجة ماسة إلى حصول تقدّم في المفاوضات الجارية في أكثر من مكان لمعالجة بعض الملفات، وأكثر ما يهم لبنان هو الوصول إلى خاتمة سعيدة للمفاوضات الجارية على أرض العراق بين موفدين من إيران والمملكة العربية السعودية، وقد ألمح إلى هذه الاستفادة وإن بشكل غير مباشر وزير خارجية إيران الذي زار لبنان الأسبوع الفائت، وإلى جانب هذا الملف، فإن لبنان ينتظر أيضاً إنجاز الملف النووي الإيراني التي تقترب المفاوضات الدائرة حوله منذ أشهر من النهاية، كون ان أي تقدّم على هذا المستوى سيكون له ارتداداته الإيجابية على مستوى المنطقة ولبنان ربما يكون من أبرز المستفيدين من هذه النتائج.
وإلى أن تنقشع الأجواء الضبابية عن ملفات المنطقة بأن لبنان سيبقى تحت وطأة الأزمات الموجودة التي يتوقع لها أن تشتد مع قابل الأيام إما بفعل الكباش الداخلي الحاصل قبل الانتخابات النيابية، وإما بفعل وصول عمليات التفاوض الجارية في الخارج حول بعض ملفات المنطقة الى مرحلة عض الأصابع والقيام بما يتطلَّب لتحسين الشروط التفاوضية للوصول إلى شروط أفضل عندما يحين انجاز الحلول.
وانطلاقاً ممّا تقدّم فإن الخوف مبررٌ من إمكانية الاستمرار في تحليق سعر صرف الدولار الذي لم يعد له أي سقف محدد، ناهيك عن إمكانية وصول سعر صفيحة البنزين إلى مرحلة خيالية، لا سيما وأن هناك من يتحدث عن توجُّه لدى أصحاب المحطات من وضع شرط الدفع بالدولار الأميركي مقابل شراء صفيحة البنزين، الى جانب بعض الإجراءات التي قد تتخذ لغير صالح المودعين، وهذه الأمور قد تُحدث فوضى لأنها لن تلقى القبول الشعبي بشكل يبعث على الخوف من أن تكون هذه الخطوات سبباً في إرجاء الانتخابات ودخول لبنان مرحلة الفراغ القاتل الذي لا يعرف أحد إلى أين ينتهي؟