IMLebanon

أهذا هو لبنان؟

 

 

أبكَرَ في التوجّه شمالاً للمشاركة في واجب إقامة الصلاة وتقبّل العزاء بقريبه الفقيد الغالي الذي قضى في بلاد الإغتراب ليتبيّن له أنّ ثمّة نقصاً في خزّان الوقود، فقصد فوراً المحطّات، الواحدة تلو الأخرى، ولكن عبثاً فلم يُوفَّق بأيّ منها، إذ كانت قد رفعت خراطيمها ونصبت حواجز أمام المضخّات.

 

من الأوتوستراد في سن الفيل إلى البوشرية فالجديدة والزلقا وجل الديب وانطلياس وضبيه حتى جونية والمعاملتين…

 

وتوقّع أن يجد الوضع مختلفاً على مكان ما في الطريق حتى جبيل. وإذا الحال ذاتها. فقال في ذاته: لا بأس فربما يتبدّل الأمر عندنا في الشمال. من البترون إلى شكا فصعوداً عبر بلدات الكورة حتى زغرتا وقضائها، فلم يُوفَّق بمحطة وقود واحدة غير مُزنّرة بالشريط الأحمر والأبيض.

 

ومن زغرتا إلى طرابلس… «مطرحك يا واقف» بل يا مُتنقّل بحثاً عن ليترٍ من الوقود الذي كاد أن يُفقَد من السيارة.

 

عاد أدراجه خائباً، وقال لعلّ وعسى نجد مرامنا في بلدة عيمار حيث وجهته. ولكنّ الطريق إلى تلك الناحية من قضاء الضنية لم يكن فيها محطة وقود واحدة تعمل. أحد أقربائه «سحَبَ» من خزّان سيّارته بضعة ليترات زوّده بها ليتمكّن من الوصول لاحقاً إلى بيت الشقيقة في مزيارة حيث كان مدعوّاً إلى جَمعة أخوية. وفي هذه البلدة الجميلة المُشرِفة على طرابلس وقضاءَي الزاوية والكورة كانت محطات الوقود الثلاث تعمل وبالسعر القانوني. فوجّه التحية إلى مزيارة التي لم يضرب الجشع والطمع أهلها.

 

أهذا هو لبنان يا قوم؟

 

أهذا هو الوطن الذي نعمنا فيه، ذات زمن، بالأمان والإطمئنان، وبرغد العيش، وبالإزدهار، وبالريادة في مختلف المجالات؟ أهكذا أصبح وطن النجوم؟

 

وإذا الحديث عن الوقود، ولسنا ندري، أو لعلّنا ندري ولا نُريد أن نتّهم، من هم الذين أوعزوا برفع الخراطيم في المحطّات، فلا يفوتنا أن نتحدّث عن أزمة اللحوم وهي ضاربة أطنابها في مناطق عديدة، بما فيها تلك التي ذكرناها آنفاً. فمتاجر المواد الغذائية تقفل أقسام اللحوم منذ أيام فيما يحلّق السعر عالياً عند بعض القصّابين، في وقت يجزم الخبراء بأنّ هذه الأزمات المتعاقبة التي يدفع المواطن ثمنها غالياً يغلب عليها طابع الإحتكار بقدر ما هي ذات صلة بارتفاع سعر صرف الدولار الذي يجمعه صرّافو السوق الموازية (السوداء) من المواطنين بينما يمنعونه عنهم حتى بالسعر الذي هم يحدّدونه عشوائياً.

 

نموذجان عن وضع بائس. أما الأشدّ بؤساً، فأولئك (وهم باتوا الأكثرية) الذين لا يملكون قرشاً واحداً، ومسألة وقود السيارات واللحوم لا تعنيهم لأنهم لا يقاربونها ولو في الحلم.