Site icon IMLebanon

3 محاولات لإنهاء الأزمة أُسقِطت… فهل من رابعة؟

 

تمكّنت الممانعة من إسقاط 3 محاولات خارجية شكلت مدخلاً جدياً لإنهاء الأزمة اللبنانية التي يستحيل حلّها بحوار لبناني، كَون العامل الخارجي كان أقوى دائماً من العوامل الداخلية.

التداول او الحوار بين اللبنانيين يؤدي إلى حلحلة الملفات السلطوية والحكومية والسياسية، ولكنه لا يؤثر على جوهر الأزمة اللبنانية لارتباطه بقرار خارجي لا قدرة للبنانيين على تجاوزه، وكل دورهم يقتصر على مواجهة هذا الخارج وامتداداته الداخلية في سياق سياسة صمود بانتظار الظروف والتبدلات والتحولات الخارجية التي تضع حداً للتأثير الخارجي على القرار اللبناني، ولا بدّ في هذا السياق من التوقّف أمام 3 محطات أساسية كان يمكن ان تُنهي الأزمة اللبنانية:

 

المحطة الأولى: إنهاء دور الثورة الفلسطينية في العام 1982، وهذه الثورة شكلت العامل الأساسي المُفجِّر للحرب اللبنانية، حيث بدأ التغلغل الفلسطيني العسكري بعد هزيمة العام 1967 ولم ينجح اتفاق القاهرة في العام 1969 في ضبط الحركة الفلسطينية المسلحة، ولكنه أخّر اندلاع الحرب لـ6 سنوات، وكان يُفترض ان تنتهي الحرب اللبنانية مع انتفاء العامل الفلسطيني المسبِّب لهذه الحرب، إلا ان اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل أدى إلى اغتيال مشروع انتخابه المتمثِّل بالدولة القوية التي تبسط سيطرتها على مساحة الـ10452 كلم2، وانتقل مع اغتياله السبب الرئيسي للأزمة من فلسطيني إلى سوري كان قد دخل جيشه إلى لبنان تحت أشكال مختلفة مع اندلاع الحرب سعياً لتحقيق 3 أهداف:

 

الهدف الأول: منع قيام جمهورية فلسطينية على أنقاض الجمهورية اللبنانية خشيةً مِن تمدُّد الثورة الفلسطينية بعمقها السني إلى سوريا فتطيح بالحكم الأقلوي البعثي-العلوي، وهذا ما يفسِّر مُسارعته للدخول إلى لبنان بغية ضبط حركتها وتمددها.

 

الهدف الثاني: منع قيام سلام بين لبنان وإسرائيل يؤدي إلى تطويق سوريا من الجهتين اللبنانية والعراقية مع الرئيس صدام حسين، فضلاً عن خشيته من ان يتمدّد مشروع السلام مع إسرائيل ولا يجرؤ الإقدام عليه كأقلية تفتح الباب لانتفاضة من الأكثرية السنية ضده.

 

الهدف الثالث: إلحاق لبنان بسوريا ترجمةً للعقيدة البعثية من جهة، وبهدف تحوّل سوريا إلى لاعب إقليمي من جهة أخرى، خصوصاً ان الورقة اللبنانية تضعها على تماس مع إسرائيل وتتيح لها تحييد الجولان وتفتح أمامها أبواب العلاقة مع واشنطن.

 

المحطة الثانية: اتفاق الطائف الذي أُبرم بفعل الظروف التي أمّنها العماد ميشال عون مع حرب التحرير، فاعتقد انّ هذه الحرب ستلفُت انتباه العالم لتُخرج الجيش السوري وتنتخبه رئيساً للجمهورية، ولكن حساب الحقل اختلف عن حساب البيدر، فدمّر المنطقة الحرة الوحيدة العَصية على النظام السوري وقدّم له لبنان على طبق من ذهب.

 

ولولا حرب التحرير لكان لبنان ما زال، ربما، مقسّماً بين شرقية وغربية، فنجح العماد عون في استجرار التدخل الخارجي، إنما فشل في التحكّم بمجريات هذا التدخل، ولكن القدر السيئ للبنان ليس في اتفاق الطائف طبعاً الذي أنهى الحرب بمصالحة داخلية ورعاية عربية ودولية وفتح الباب أمام قيام الدولة مجدداً، وبالتالي القدر السيئ كان في اجتياح العراق للكويت الذي نقل كل الاهتمام العربي والغربي من لبنان إلى الخليج، فاستفاد النظام السوري الذي استفرد بلبنان وتحكّم بوضعه بشكل كامل ومطلق حتى العام 2005.

 

المحطة الثالثة: بدأت معالمها مع الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من لبنان في العام 2000 والذي شكّل أكبر عملية إرباك للنظام السوري الذي تَفاجأ بالخطوة كونه كان يتحجّج بالوجود الإسرائيل ليحافظ على وجوده في لبنان، واستكملت مع أحداث 11 أيلول 2001 الأميركية التي ردّت عليها واشنطن بإسقاط نظامَي أفغانستان والعراق وتركّز معظم اهتمامها على الشرق الأوسط بعنوان نشر الديموقراطية للقضاء على التطرُّف، فشعر النظام السوري بالخطر خصوصاً بعد صدور القرار 1559، فقرر محور الممانعة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي كان الشخصية الأقوى لبنانياً في علاقاتها الدولية وحيثيتها المحلية، ظنّاً منه انّ اغتياله يؤدي إلى تراجع «الهجمة» الأميركية والفرنسية، ولكن الاغتيال المعطوف على انتفاضة شعبية تُرجم برسالة أميركية حازمة للنظام السوري بضرورة خروج جيشه من لبنان.

 

وشكّل الاهتمام الأميركي-الفرنسي غير المسبوق من جهة، وخروج الجيش السوري من جهة ثانية، فرصة تاريخية للمرة الثالثة لإنهاء الأزمة اللبنانية، لأنّ العاصفة الخارجية المتماهية مع العاصفة الشعبية الداخلية كانت كفيلة بدفع «حزب الله» إلى تسليم سلاحه، وأي ردّ فعل إيراني كان سيُقابل برد شديد اللهجة، ولكن الإدارة السياسية اللبنانية لم تكن على مستوى المرحلة لثلاثة أسباب أساسية:

 

السبب الأول يتعلّق بهاجسها التاريخي من المارونية السياسية وخوفها من ان يؤدي التخلّص من الجيش السوري وسلاح «حزب الله» إلى عودة قوية للمارونية السياسية، وهذا ما يفسِّر جوهر التحالف الرباعي الذي كانت إحدى وظائفه نقل لبنان من مرحلة إلى أخرى من دون اي تبديل جوهري بالإدارة السياسية، والخطيئة كانت بالتمني على الإدارة الأميركية بأن تعتبر القرار 1559 نُفِّذ بشقه الخارجي، وانّ شقه الداخلي المرتبط بسلاح الميليشيات ستتولى القيادات اللبنانية معالجته.

 

السبب الثاني يرتبط بسوء تقدير الإدارة السياسية لـ»حزب الله» فاعتقدت ان الخروج السوري يُمَكِّنها من إدارة الحياة السياسية مع الحزب كشريك شأنه شأنها، وراهنت على لبننتِه واعتباره شبيهاً لها باهتماماته السلطوية، ولكنه تحيّن اللحظة للانقلاب على المسار التغييري ساعياً إلى إعادة استنساخ الدور السوري.

 

السبب الثالث يتصل بغياب الجرأة السياسية التي كانت تتطلّب مواصلة المواجهة من دون هوادة لاستعادة كامل السيادة اللبنانية، ولكن، ويا للأسف، تمّ تفويت هذه اللحظة التاريخية التي تزاوج بين المومنتم الدولي الاستثنائي والجهوزية الداخلية، والاستنفار الخارجي كان على استعداد لفِعل أي شيء من اجل تطبيق القرار 1559، إلا انّ التردُّد أدى إلى تفويت هذه اللحظة على لبنان.

 

وما حصل بعد اتفاق الطائف حصل مثله بعد خروج الجيش السوري من لبنان، لأنه لو سلّم العماد عون السلطة للرئيس رينيه معوض لكان طُبِّق الطائف وقامت الدولة، ولكنه انتقل من حرب إلى أخرى وانتهى مُبعداً ومُقدِّماً لبنان للنظام السوري، ولو أصرّت الإدارة السياسية على تطبيق كامل القرار 1559 لكان طُبِّق وسلّم «حزب الله» سلاحه للدولة، لأنه لن يصطدم بالعاصفة الدولية التي كان النظام السوري قد تجنّبَ الاصطدام بها.

 

فمنذ توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969 إلى اليوم لاحَت في الأفق اللبناني 3 محطات كانت كفيلة، لو أُحسِن إدارتها، بإخراج لبنان من أزمته الوجودية: المحطة الأولى في العام 1982 مع إخراج الثورة الفلسطينية من لبنان، والمحطة الثانية في العام 1989 مع توقيع اتفاق الطائف بدفعٍ ورعاية عربية وغربية، والمحطة الثالثة في العام 2005 مع إخراج الجيش السوري من لبنان.

 

وما تقدّم يؤكد ان لا حلّ للأزمة اللبنانية سوى من خلال تحولات خارجية يتقاطع معها الفريق المؤمن بمشروع دولة ووطن نهائي، وبانتظار المحطة الخارجية الرابعة التي تتعلّق حصراً بإيران، فما على الجسم السيادي في لبنان سوى الصمود بانتظار التحول الذي لا بدّ من أن يأتي يوماً في عالم متحوِّل ومتبدِّل وتطورات متسارعة، وكل ما هو مطلوب من هذا الجسم ان يكون جاهزاً للتقاطع مع التحولات الخارجية، ولكن على أمل ان تكون الرابعة هذه المرة ثابتة وان تكون الإدارة السياسية على مستوى المرحلة لإنهاء الأزمة اللبنانية المستمرة منذ أكثر من خمسة عقود.