IMLebanon

هـذا هــو واقعنا السياسي اللبناني…

 

أيُّها السّادة اللجنة الخُماسية المعنيّة بمقاربة وحل الأزمة اللبنانية، نتوجه إلى حضراتكم عبر سفاراتكم الموقّرة في لبنان لنعرض لحضراتكم واقعاً أليماً يمرُّ على لبنان ويزلزل العمل السياسي بكل مفاصله، وإستناداً لمفاهيم «العلم السياسي» فإنها تشكّل النظرية التصوّرية لواقع الحال من خلال ما يُجمع ويوّثق من معلومات وحقائق لا يمكن نكرانها أو غض النظر عنها ومنها ما يحصل على صعيد الحياة السياسية ومندرجاتها لنبني من خلالها أفقاً علمياً يمكننا وإيّاكم الإستناد إليه بحثاً عن حلول لكافة الأزمات وفي أولها الإستحقاق الرئاسي إستناداً للمواد الدستورية التي أقِّرّت في وثيقة الوفاق الوطني علماً أنّ هذه الوثيقة اغتصبتْ عمـداً بواسطة الراعي الإقليمي في حينه وما زالت كرامتها ومضمونها مغتصبتين لتاريخه وكم من مرّة تحاورنا مع «عرّاب الطائف الرئيس المغفور له حسين الحسيني» معرباً عن قلقه من تمادي إغتصاب هذه الوثيقة.

سعادة السفراء الموقّرين، تكاد لا تمرّ أيّام في لبنان إلّا وتسوده توترات أمنيّة بين أفراد أو مجموعات مُسلّحة تابعة لقوى الأمر الواقع تُسفر عن سقوط ضحايا بين قتلى وجرحى وبالتالي تعكس واقعاً مشحوناً بخطاب طائفي مذهبي ومناطقي يتحدّى المنطق والقانون. كما أننا كباحثين في الشؤون السياسية وتفرعاتها وأيضا كناشطين في الشأن العام نتخوّف من واقع الحال المأزوم واللامنطقي واللاقانوني واللادستوري حيث بتنا في وطن تكسُر فيه المربعات الطائفية – الأمنية تهدِّد السلم الأهلي كما نتخوّف من حالات الإنسداد السياسي التي تتعارض مع الدستور اللبناني وطبيعة علاقة لبنان بأشقائه العرب وسائر العالم إنطلاقاً من عضويته في جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة.

الهشاشة العامة في لبنان مردّها إلى حالة تأزّم سياسي لا مثيل لها في أحداث «العلوم السياسية»، ويُضاف إليها تعثُّر كـل المساعي الداخلية والخارجية لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية يملأ الشغور المتمادي منذ نحو تسعة أشهر، ويتزامن هذا الأمـر مع شغـور في عدد كبير من إدارات الدولة سواء أكانت إدارية أو أمنيّة أو قضائية أو دبلوماسية علماً أنّ هناكَ كسلاً في الدور التشريعي المنوط في مجلس النوّاب وهذا الأمر ناتج عن خلافات بين الكتل النيابية القائمة خلافاً للنظام الديمقراطي والتي قاطعها أكثر من 59% من الناخبين إستناداً إلى تقارير صدرتْ عن أعلى السلطات الرسمية في حينه وبالرغم من عمليات التجميل التي حاول بعض المسؤولين تسويقها أمام الرأي العام والإقليمي والدولي تبياناً لنزاهتها وفقاً لمصالحهم والتي شابها التزوير وعدم ثقة الناخبين بالمرّشحين وناهيك عن عدم إقتناعهم بالقانون المعتمد والمشكو منه والذي تمّ تشريعه وفقاً لمصالح الطبقة الحاكمة والهدف من ذلك إحكام القبضة الحديدية على كل مفاصل الدولة بالتكافل والتضامن بين قوى الأمر الواقع المهيمنة على الجمهورية.

إنّ غياب الإستقرار السياسي يؤدي حتماً لتوترات أمنيّة علماً أنّ هناك شرخاً بين المكوّنات السياسية المرتهنة لخارج إقليمي يُفاقم الأخطار بكل أنواعها. وعلى ما يبدو هناك خلافاً مستحكماً بين الرأي العام الحُـر والطبقة الحاكمة بالإكراه حـول هوية لبنان وعلاقته بالدول العربية والعالم وحــول طبيعة العلاقة بين الجمهورية اللبنانية والجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تتدخل في الشؤون اللبنانية خلافاً للقوانين الدولية التي ترعى العلاقات بين الدول وخلافاً لقانون الأحزاب والجمعيات وتعديلاته المعمول به منذ الإستقلال… ومن المعلوم أنّ هذا الأمر الواقع المخالف لأبسط قواعد حقوق اللبنانيين الشرفاء يراه هؤلاء القادة أنه فوق القانون والدولة ومُباح على كل الأراضي اللبنانية.

هناك عــوامل إقليمية – محليّة تفسِّرْ هذا الشلل في المشهد السياسي اللبناني، كما التغاضي عن التطاول على القوانين والإفتقار إلى المرونة يكمن أيضاً في ممارسة السلطة بـ«البهورة» وبفائض القوّة، وهذا الأمـر بحكم واقع الحياة السياسية اللبنانية، ومن جهة أخرى يجب ألّا يخفي المنطق التحليلي لواقع الحال السياسية في لبنان أنواعاً أخرى من موازين القوى هي المثال الأبرز لظاهرة الإطباق على النظام الديمقراطي وهذه مخالفة للدستور اللبناني، هذا بالإضافة إلى صعوبة العمل السياسي بسبب ممارسة الكيدية السياسية والأسلوب الدكتاتوري وإستغلال القضاء. وفي وقع الحال علينا كباحثين إطلاعكم على مجـرى الحياة السياسية في لبنان ونعتقد كما إنني أعتقد جازماً أنكم تعلمون علم اليقين أنّ العمل السياسي اليوم ينحصر برجال الأعمال والمقرّبين من المنظومة السياسية كما نوّد لفت نظركم إلى تركيبة المُساهمين بمجالس إدارة المصارف حيث تضم مجموعة لا بأس بها من النوّاب المنتخبين خلافاً للأصول الديمقراطية.

إنّنا نمـرّ بأسوأ الأزمات في لبنان وتبرز مخاطر جمّة تهدّد مستقبل الجمهورية اللبنانية، وبصفتي باحث في الشؤون السياسية وبعد مراجعة مراكز أبحاث عربية – دولية بات يمكن تصنيف هذه المخاطــر بحسب درجاتها وأهميتها وخطورتها ومن أبرز هذه المخاطــر: تفلّت أسعار الصرف، غلاء الأسعار، فقدان الخدمات العامة ومنها: الكهرباء – الطبابة – التربية، الإنحلال الأخلاقي، التضليل الممنهج الممارس من قبل طبقة سياسية فاسدة، ضرب النظام الديمقراطي، سلاح حزب الله ومرفقاته، النزوح السوري، تعطيل القضاء، ضرب البُنى التحتية للدولة تفكّك الإدارات الرسمية المدنية والعسكرية، إنهيار القطاع التربوي، هجـرة اللبنانيين والشباب، الطائفية والمذهبية، سرقة أموال الناس، زيادة عشوائية ضرائبية من دون خدمات، إنهيار سياسي وتغيير وجه لبنان، عدم وجـود طبقة سياسية صادقة، التغاضي العربي والدولي عن تصرفات السياسيين الفاسدة (هذا أمر يتناقض وميثاقي جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة)، التخوّف من إنهيار المؤسسات الشرعية الأمنيّة، الإغتيالات والتصفيات الجسدية، فبركة الملفات…

علمياً وإستناداً لـ«العلوم السياسية» وبعد إطلاعكم على غيض من فيض مسببات الأزمة في لبنان نطمح للتعاون مع حضراتكم بصفتنا كفريق عمل نحمل العديد من الإختصاصات لوضع حـد لإنفلاش الأزمات في لبنان حرصاً منّا على حُسنْ العلاقة اللبنانية – العربية – الدولية، إنطلاقاً من ميثاقي جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة معتمدين على مبدأ تعدُّد إستراتيجيات التعامل مع الأزمة اللبنانية بكل تشعباتها، ويتوقّف إستخدام هذه الإستراتيجيات المنوي استخدامها على القدرات في التعامل مع الأزمات المتشعبة في لبنان والأوضاع الموضوعية والإمكانات المتاحة، كما يتمثّل إختيار الإستراتيجية المناسبة لحل الأزمات اللبنانية أهمية كبيرة في سرعة وكفاية التعامل مع هذه الأزمات التي عددنا بعضها وكفاية التعامل معها.

أيّها السّادة اللجنة الخماسية سعادة السفراء الموقّرين، مقالتنا دعـوة جريئة وصريحة إلى قراءة الأحداث بشكل صحيح وواقعي وإتخاذ القرارات الشجاعة التي تغلِّب مصلحة الوطن والمواطنين على المصلحة الآنية والفئوية الضيِّقة… كما نأمـل أن تعيروها الإهتمام لأنه بات من الواجب خلق إنعطافة تاريخية سياسية مطلوبة لإعادة لبنان إلى الحضن الدافئ عربياً ودولياً.. ودمتُم… وللبحث صلة.