Site icon IMLebanon

البلياردو اللبناني

 

 

إذا كان الإنكليز أو غيرهم هم الذين اخترعوا لعبة البلياردو على حدّ زعم تاريخ اللعبة في القرن الخامس عشر من أجل «كسر الملل»، فإننا في لبنان في حال خلل وملل وكلل منذ أبعد من القرن الخامس عشر، وإذا كانت البلياردو قديماً لعبة النبلاء، ففي لبنان حوّلتها السياسة إلى لعبة تدحرج وتصادم رؤوس الطابات على مساحة الطاولة الخضراء، والعصا الفاعلة في هذه اللعبة استقالت من مهمّتها لعصا لمن عصى، وما أكثر العصاة في هذا البلد التعيس الحظّ، طابات تتدحرج ولا حظّ ولا رابح ، إلى درجة تدفع المرء إلى التفكير جديّاً: ما أهميّة متابعة ما يحدث في لبنان والعالم من خلف أسوار بيته، ما دامت كلّها سيناريوات مستعادة ومتكرّرة؟!

 

وليس بخافٍ على أحد أنّ الفتنة «حاضرة ناضرة» وأنّ كلّ الفرقاء يحملون بأيديهم أعواد الثّقاب المشتعلة يحدّقون في فتيل الحرب الذي بات قريباً جدّاً من الاشتعال، ولم يعد بخفيّ أنّ جميع المسؤولين ليسوا بوارد العمل على إيجاد حلول لأزمات البلد وليس لديهم أدنى استعداد لتهدئة قطعانهم الهائجة والجاهزة للقفز في الهاويات السّاحقات وأخذ كلّ ما تستطيع في طريقها، اذ لطالما تعوّذ اللبنانيّون من سيرة الحرب الأهليّة التي عاشوا ويلاتها «تنذكر ما تنعاد»، اليوم بات اللبنانيّون متأكّدين من أنّها ستعاد وتعاد وتعاد إلى ما لا نهاية، في كلّ قرن أو نصف قرن أو أقل من ذلك أو أكثر لنا موعد مع حرب أو شبه حرب، ولم دعوات الحوار لحلّ المنازعات السياسيّة الدّائمة والمماحكات اليوميّة ولا حتّى فولكلور تبادل المحبّة والأخوّة في الوطن والعيش المشترك تنطلي على أحد أبداً، ولم يعد واقع لبنان واقعاً يختصره توصيف «النّار تحت الرّماد» لأنّها  ليست ناراً ولا رماداً إنّها حرب حقيقيّة جاهزة للاندلاع في أيّ وقت متى استدعت الأمور اندلاعها وقد يكون استدعاؤها قريباً أكثر ممّا يتصوّر الجميع، ومُداراتها بالقول «تحت الرّماد» مجرّد ذرّ للرّماد في عيون الحقيقة، إنّها تتّقد ولهيبها يتطاول ينتظر أن ينشب في الثوب اللبناني وألوانه المرقّعة البشعة بطائفيّتها المتوحّشة فقنبلة الاحتلال السوري البشري جاهزة للانفجار في أي لحظة!

 

كلّما تعقّد الوضع اللبناني وتأزّم سواء في الحرب أو زمن السّلم ـ إن كان ما نحن فيه يسمّى سلماً ـ يجري التسويق لاتفاقيّات بخطط دوليّة وعباءة إقليميّة عربيّة أنّ تسوية ما في الطريق، وللمفارقة يُصدّق اللبنانيّون البسطاء «الحكي عن التسويات» الذي ما يزال يتكرّر على مسامعهم منذ ثلاثة قرون على الأقلّ و «مش ماشي الحال»، نحن نعيش تهدئات وقتيّة تقضيها الظّروف الدّوليّة، فعلى سبيل المثال لولا الحاجة الأميركيّة لساحة العراق ووضع يدها على منابع النّفط لما فكّرت بلملمة الحرب الأهليّة في لبنان وإطفاء نيرانها وترك التهدئة معلّقة من دون تطبيق اتفاق الطائف وتسليم لبنان للاحتلال السّوري ليرعاه لأنّ «قطعان الماعز» اللبناني لا تنضبط إلا بالقوّة، أمّا الحديث عن كون مفتاح حلّ الأزمة اللبنانيّة هو في انتخاب رئيس للجمهوريّة فهذا الكلام مجرّد «هراء» حتى لا نقول أكثر من ذلك!