يمُر لبنان بمرحلة إنتقالية صعبة للغاية لا بل خطيرة وهي مرحلة تهدّد مصيره الجغرافي والديمغرافي والتاريخي والديمقراطي والتنموي . ما يُطرح اليوم على طاولة البحث في عواصم القرار يستثني واقع الفراغ في مؤسسات الدولة التي هي نِتاج هذه الطبقة السياسية التي تُمعن في ضرب الأصول الديمقراطية، كما المطروح يتناقض مع مطالب بعض الذين عُيِّنوا مسؤولين خلافاً للنظام الديمقراطي وباتوا يشكّلون أمراً واقعاً مؤلماً على الشعب وأجهزة الدولة.
يقتضي الإستمرار في البحث عن مخرج قانوني – دستوري – علمي للأزمة اللبنانية والسعي إلى تحقيقه بعناد، ولكن في إنتظار ذلك المخرج ما هو المطلوب على المستوى المحلّي، هل المطلوب المزيد من الإستسلام لسلطة الأمر الواقع؟ هل المطلوب مزيد من إستزلام الرأي العام؟ أم على كل مراكز الأبحاث بما فيه المركز الذي ننتمي إليه PEAC أنْ تُمارس ممارسة سياسية – ديمقراطية – علمية فاعلة تدخل في صلب المجتمع اللبناني وعمق نسيجه عبر إعداد دراسات علمية – موضوعية لإيجاد مخرج للأزمة الحالية.
يظهر العديد من رجال السياسة والدين وبعض من يعتبرون نفسهم رموز وطنيّة مطالبتهم بإنتخاب رئيس جديد للجمهورية ويتناسون أولاً – أنّ هناك مجلساً نيابياً فاقداً للصفة الشرعية والتشريعية، وعدم ديمقراطية هذا القانون الذي لم يُساوِ بين الناخبين ولم يحترم المعايير الدولية لديمقراطية الانتخابات، وإنه قانون قوّض حرية العديد من الناخبين عبر إرساء علاقة زبائنية مع الأطراف الموجودة في الحكم، كما سوء إستغلال السلطة وموارد الدولة. ثانياً – غالبية الساسة في لبنان غارقين في الحزازات والحزبيات والقضايا الحياتية اليومية المشتركة ويُسيِّسونها غبَّ الطلب. ثالثاً – تصرفاتهم غير المنهجية وغير القانونية أسهمتْ في هذه الظروف الصعبة والسيئة بأنهم غير جديرين بتحمّل مسؤولية وطن وشعب.
فعلياً إذا ما أردنا العمل لتحقيق الاستقرار والتغيير علينا العمل على المستوى المحلي. إننا نبحث في الإستحقاق الرئاسي ونهمل المستوى الأهم في السياسة اللبنانية، وهذا الأمر يؤدي إلى تغيير في العمق في إنتاج فكرة ما تتبلور معها سيادة القرار الوطني. كيف نُطالب مجلس النوّاب بعقد جلسة لإنتخاب رئيس للجمهورية وهو مكوّن من مجموعات متناحرة همّها الأول والأخير مصالحها الخاصة مصلحة من أتى بها إلى السلطة؟!
تتوّفر تقاليد ديمقراطية فكراً وممارسة، كما لدى كافة الشعوب لكنه لم يتم إستغلالها في تعلّم العلم السياسي ومندرجاته، بل على العكسْ يطمسها الساسة ورجال الدين وهي أضحت بالتالي «رجالات دكتاتورية جاهلة للوقائع وغير راغبة بسماع صوت العلم». يقتضي الظرف الحالي إعادة قراءة سياسية في ما يتعلق بالقاعدة الدستورية والعلمية بهدف إنتاج سلطة بديلة تحمل بداية مشروع إنقاذي كي تكون مؤثرة في السلوك وعلى الأخذ بالاعتبار البُنيات الفكرية والثقافية والخبرات حينئذ تكون متأصّلة في الإنتاج والتطبيق.
من الشائع في البلدان التي تخضع لسلطة صُوَريّة غير ديمقراطية وغير شرعية أو لا تتوفر عندها الأهلية في ممارسة النظام كما هي الحال في لبنان، أن يتم البحث عن الأسباب التي أدّتْ إلى هذه الواقعة المخالفة لأبسط قواعد الديمقراطية، وما سبب حدوث هذه الأزمة، ومن إرتكب هذه الانتهاكات الدستورية، كما الكشف عما جرى من إنتهاكات للقانون ولحقوق الإنسان لإنصاف الشعب اللبناني المعلّق على وزر الحروب والحرمان من أبسط حقوقه.
ليس من باب التجنّي ولكن هل يُعقل أن يتُّم توليد سلطة من رحم الفساد والإفساد والانتهاكات الدستورية، والنظام السياسي القائم حالياً بمعيّة هذه الطبقة السياسية يحمل مفهوماً باطلاً مشكوك في مصدره ونواياه، وما هو في الواقع إلّا مجموعة من مسؤولين غير مدركين لحجم المسؤوليات الدستورية المُلقاة على عاتقهم. وعلى هذا النحو من قناعة زائفة فإنه من غير الممكن الاعتماد عليهم وعلى هذا النحو يستحيل المطالبة بإنتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل هذه التركيبة القائمة لأنها حتماً ستأتي بنفس الأشخاص ونفس الأداء ونفس التصرفات اللاأخلاقية واللاقانونية.
إنطلاقاً من هذا الأمر الواقع من المستحسن ووفقاً للعلوم السياسية البحث عن صيغة «نظام إنتقالي» لمدة زمنية محددة وبأشخاص لبنانيين يتمتّعون بذهنية فكرية واسعة وبمختلف الاختصاصات وضمن خارطة طريق محددة تحمل بندين أساسييّن ألا وهما: ضبط الوضع الأمني في البلاد من خلال تطبيق ما ورد في وثيقة الوفاق الوطني: بند حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية أي بسط تام لسلطة الدولة على كامل ترابها الوطني، ويكون هذا الأمر بمساعدة واسعة لقوات دولية وفقاً لقرار يصدر عن مجلس الأمن بمؤازرة قوى الجيش بمهامه. أما البند الثاني: درس وإقرار قانون للانتخابات النيابية يُعيد إنتاج السلطة وفقاً للنظام الديمقراطي. إنّ هذا الحل بالنسبة إلينا كباحثين هو الأمثل بدل أن نُعيد إنتاج سلطة فاسدة عن رد وجديد، وللبحث صلة.