Site icon IMLebanon

عن أزمة النظام في لبنان رفض التفكير بالبديل استسلام للمأساة

 

يعيش اللبنانيّون ديستوبيا مستمرّة، ولا حكومة. لم يكن عابراً تقرير البنك الدولي الذي رأى أنّ الانهيار الاقتصادي اللبناني من أسوأ عشرة انهيارات اقتصاديّة حصلت في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، وربّما من أسوأ ثلاثة. هناك أيضاً تقارير ذكرت قبل فترة أنّ انفجار بيروت أقوى انفجار غير نووي عرفه العالم منذ عقود. هذا ما يحدث واقعاً. في هذه الاثناء، يتابع جبران باسيل وسعد الحريري على كوكبهما المنفصل مبارزتهما حول الثلث المعطّل والتشكيلة. كيف نوصّف نظاماً يعجز عن فرز حكومة لا لحلّ الأزمة – آمالنا ليست عالية هكذا – بل لادارتها؟ أقلّ ما يقال فيه أنّه مات سريريّاً، وأنّه يجترّ نفسه من فوق بينما نحتضر نحن من تحت.

 

هذا سيّئ بما يكفي. ولكن هناك ما هو أسوأ: هي ليست المرّة الأولى التي ينعطب النظام السياسي بعزّ الحاجة اليه. الفدائيّون ينفلشون بلبنان؟ رشيد كرامي “يعتكف” فتتعطلّ الدولة. حافظ الاسد يثبّت قبضته علينا بعد سقوط اتفاقيّة 17 أيّار؟ سليم الحصّ “يقاطع” أمين الجميّل – مرحى ببدعة المراسيم الجوّالة. الايرانيّون يريدون فلاناً رئيساً للبنان؟ نبيه برّي يقفل المجلس النيابي حتّى كان لهم ما أرادوا. يوميّات الشلل العادي يصلح كعنوان كتاب لو أراد واحدنا أن يؤرخ اداء الدولة زمن الازمات الكبرى. هاجس شخصيّات مسرح تشيكوف أن الحياة تمرّ وليس من أمر مهمّ يحدث فيها: ليس بعد الروتين اليومي وانعدام المعنى سوى المزيد منهما. هناك شيء من هذا عندنا حيث النكبة تلي النكبة منذ عقود، ولكنّ الامور بالعمق لا تتغيّر. في حياتنا السياسيّة المعاصرة، الفودفيل البائخ هو الوجه الآخر للتراجيديا ولتفاهة الشرّ.

 

رفض التفكير بالبديل استسلام للمأساة. والبديل، هذا، ينبغي أن يعالج معضلتين: الاولى، أنّنا بلاد صغيرة، يحيط بها لاعبون أقوى منها، وتوسعيّون. الثانية، أنّنا مجتمع منقسم على ذاته بحكم تعدّديته الطائفيّة. في صراعها على السلطة، تستخدم نخبنا الحاكمة سياسات الهويّة، بينما يستخدم الخارج هذه النخب في الصراع على لبنان. الهويّة أداة بيد النخب، والنخب نفسها أداة بيد محاور الاقليم. هنا مكمن الداء اللبناني وعلّة العلل.

 

ما السبيل لدفع شرّ المحاور عن بلادنا؟ هنا السؤال الاوّل. أيّ مشروع لا ينطلق من هذا السؤال بالتحديد ساذج بالحدّ الافضل، ومشبوه بالحدّ الاسوأ. استطراداً: كيف نخلق ما يكفي من الطمأنينة “من تحت”، كي يصبح استخدام الهويّة أصعب “من فوق”؟ هنا السؤال الثاني. وبهذه المواضيع، كما بأيّ سؤال سياسي كبير آخر، التفكير المقارن شرط الاجابة الصحيحة. للتذكير فقط، لسنا الدولة الوحيدة في العالم التي يحيط بها لاعبون أقوى منها. ولا نحن المجتمع التعدّدي الوحيد على وجه البسيطة. ماذا فعلت الهند، مثلاً، لادارة تعدّديتها؟ كيف يدير عراق ما بعد صدّام حسين المسألة الكرديّة – وكيف أدارت اسبانيا ما بعد فرانكو مسألة الباسك؟ ثمّ كيف حمت سويسرا الصغيرة نسبيّاً نفسها من الجبّارين الالماني والفرنسي على حدودها؟ طرح هذا النوع من الاسئلة مفيد، مع الانتباه طبعاً الى فوارق الزمان والمكان. تكراراً: التفكير المقارن مدخل الوضوح الذهني. ومدخل المدخل احلال الامبيريقيا موضع الشعاراتيّة واسقاطات العقل الايديولوجي.