يعيش لبنان أياماً تقاس باللحظات.
إنها المرحلة الأكثر حراجة في تاريخ هذا الوطن… في تاريخه المعاصر. وهذه حقيقة لا ينكرها عاقل.
إنها المرة الأولى التي يتأخر إنتخاب رئيس للجمهورية سنتين ونصفاً.
وهي المرة الأولى التي يُجرى الإنتخاب فيما البلد يعاني تعطيلاً حكومياً شبه كامل، وتوقفاً لمجلس النواب عن الإنتاجية إلاّ جلسة واحدة في السنة.
والمرة الأولى التي تُـجرى فيها إنتخابات الرئاسة والقضايا المطروحة على هامش «المعركة» ليست تدور على عجلة القضايا الإقتصادية الملحة ومطالب الناس المشروعة… إنما على قضايا طارئة غير مألوفة في مسار المنافسات الرئاسية، وأبرزها قاطبة الوجود «العسكري» لطيف لبناني بارز في سوريا يقاتل هناك منذ مرحلة توازي الفراغ الرئاسي تقريباً، بل تطول عنه، علماً أن المتنافسين متلاقيان على هذه النقطة الحساسة.
وإنها المرة الأولى التي يتنافس فيها مرشحان حليفان للطيف الذي يقاتل في سوريا قتالاً عنيفا الى جانب أو ضدّ القوى السورية المتنوّعة والقوى الإقليمية الفاعلة والدول العظمى ومجموعات الإئتلاف مع هذا الفريق أو ذاك من أفرقاء الصراع في سوريا وعليها.
والمرّة الأولى التي تنقسم القوى الناخبة (والقوى اللبنانية عموما) بين مرشحين ينتميان الى فريق واحد. فلا مرشح «دستوري» من هنا ومرشح «كتلوي» من هناك، ولا مرشح «حلفي» من هنا ومرشح «نهجي» من هناك (…).
إنما مرشحان ينتميان الى فريق 8 آذار: احدهما من صلب هذا الفريق وهو سليمان فرنجية، والثاني حليف للفريق… أمّا الفريق الآخر فهو فريق 14 آذار (الخصم والمنافس «الطبيعي» للفريق الأول). وبالتالي يحظى حليف 8 آذار العماد ميشال عون بدعم أبرز مكوّنين في 14 آذار وهما كتلة تيار المستقبل النيابية بزعامة الرئيس سعد الحريري، وكتلة نواب القوات اللبنانية بقيادة الدكتور سمير جعجع. والكتلتان (ومن خلفهما الحزبان) هما العصب الرئيس في 14 آذار. أمّا فريق 8 آذار فيؤيد الطيف الأكبر فيه، حزب اللّه، الحليف الجنرال عون، بينما يؤيد الطيف القوي الآخر، حركة أمل، المنافس سليمان فرنجية. و«ألطف» ما في هذه المعادلة أنّ المرشحين كان أحدهما رئيساً لتكتل كان يضم في عضويته المرشح الآخر… والأشد طرافة أنّ المرشحين يصران على أنهما حليفان.
والمرّة الأولى التي يتحدّث فيها رئيس مجلس النواب على أن مفتاح تعطيل مجلس النواب (… يعني: عدم عقد الجلسة) هو في جيبه الكبير… ويخوض معركة ضروساً ضدّ أحد المرشحين الذي هو حليف كبير لفريق رئيس المجلس ذاته.
والمرّة الأولى التي تُـجرى الإنتخابات الرئاسية فيما لبنان على أبواب إنهيار اقتصادي كبير وتوقف مروّع في النموّ.
والمرة الأولى التي يتجه الوطن الصغير المعذّب الى إنتخابات رئاسية بعد أيام محدودة جداً وليس من يمكنه الجزم بأنها ستُجرى في حينها.
اليد على القلب؟!.
أجل! فهناك أسباب موجبة!