IMLebanon

هل تُنتشل “الجمارك اللبنانية” من الموت؟

 

الفساد كبير والسجناء يتقاضون أجوراً

 

 

عبرنا الى عرين الجمارك اللبنانية بشكلِها الجديد. واستقصينا حال تلك الوكالة الحكومية المسؤولة عن تحصيل الرسوم الجمركية ومراقبة الواردات والصادرات. واستمعنا، بإنصاتٍ شديد، الى الهمسات الكثيرة التي تدور في تلك الإدارة المتهالكة التي دخل “كبارها” السجون ويحاول بعض “النظيفين” في عرينها إعادة تسييرها بالتي هي أحسن. فلنعبر معا الى جمارك لبنان.

 

لبنان يا لبنان يا قطعة سماء. كل شيء يهبط فيك نزولاً نزولاً نحو الحضيض وكل الهمسات فيك تروي قصصاً تنفع في أفلام الرعب لكن، هل هناك بشرى ما، من مكان ما، عن مساعٍ مفيدة على الاقل تحاول أن تعيد بعض “النَفَس” الى قطاعات ومؤسسات تتهاوى؟

 

الجمارك اللبنانية كانت “تعيش” على ذوقها مشكّلة “عرينها” الخاص وفلسفتها الخاصة وكأنها مؤسسة فوق كل المؤسسات. وحدث ما حدث. وآخر ما شهدناه دخول جميع موظفي المركز الآلي الى السجن، ثم خروجهم بكفالات. ما أوحى بأن “الشغل مش ماشي” والفساد مستشرٍ. لكن، ماذا يحصل الآن في جمارك لبنان؟

 

مبنى الجمارك الأساسي لا يزال مقلوباً “فوقاني تحتاني” بفعل انفجار مرفأ بيروت، والإدارة الجديدة انتقلت الى مبنى نصل إليه عبر المدخل رقم 14، قرب مسلخ بيروت، لتسكن بأجهزتها في غرف قليلة “تحت الدرج”، وعمال تخليص البضاعة مشلوحون تحت الشمس وتحت المطر في العراء. كل شيء يتغيّر في البلد. وهيثم إبراهيم، رئيس دائرة الإستيراد والتصدير أصبح اليوم رئيس مصلحة مرفأ بيروت بالإنابة، يقوم، بحسب الموظفين، بكل ما هو ممكن كي يعمل “السيستام” بلا مشاكل. وهو “يحلّها” الواحدة تلو الأخرى لكن المشاكل، كما تعلمون، كثيرة.

 

العمل صعب. وهذا أمرٌ لا يختلف عليه اثنان. والسؤال الذي يخطر في بال كل من يسمع اليوم بجمارك لبنان: هل عاد المركز الآلي الى العمل؟ يقال في الجمارك أن هيثم ابراهيم أجرى تحقيقاً تقنياً في شأن العاملين في المركز الآلي، الذي إذا ما تعطل أو توقف تتعرقل كل العمليات الجمركية. وهو رفض التحقيق بأبعد من ذلك، كون ذلك من مهام مصلحة المراقبة. وهذا ما حصل بالفعل وأوقف موظفو المركز الآلي التابعون للـ UNDP على أساسه. وقد تبيّن أن هؤلاء نفذوا أوامر معطاة إليهم شفوياً لا إثباتات خطية حولها. وهذا طبعاً لا يجوز في التعاملات الرسمية.

 

الحاجة إلى أنظمة آمنة

 

موظفو UNDP شكلوا كل فريق عمل المركز الآلي في الجمارك. فهل هذا يجوز؟ ماذا عن موظفي المركز التابعين لمديرية الجمارك؟ ماذا كان دورهم؟ أسئلة كثيرة تحوم في البال. جوابها أن هؤلاء الموظفين كانوا قد أجلسوا “على الرف” وكانت الجمارك تعطي UNDP سنويا مبلغ 300 ألف دولار من أجل تسيير العمل في المركز الآلي. وهذا ما عمل رئيس مصلحة مرفأ بيروت بالإنابة على إيقافه. والآن، أعيد بعض الموظفين الذين كانوا يتقاضون أجورهم بلا عمل الى العمل. وهذه نقطة إيجابية طبعاً.

 

مراتٌ عدة توقف “السيستام”. أولاً لأن كلمات السرّ في المركز الآلي كانت مع الفريق الذي سجن، ثم لأن خللاً أصاب “السيستام” أيام العطل. وكان يصرّ هيثم ابراهيم في كل مرة على إعادة العمل بأسرع وقت ممكن. تتكرر في الجمارك أسماء أنظمة يُعمل على أساسها بينها “نجم” ونظام citrix… الجمارك تحتاج بالفعل الى أنظمة آمنة لتعمل ضمنها لكن ما كان يحصل أقرب الى التنفيعات منه الى الضرورة. وما يلفت اليه العاملون في الجمارك أن هناك من حاول أن يتقصد القول أن “السيستام” تعطل ليصطاد في المياه العكرة بدليل أنه في إحدى المرات إتصلوا بأحد الموظفين لسؤاله عن سبب توقف السيستام قليلاً فأجاب: هو لن يمشي إلا حين يخرج العاملون في المركز الآلي من السجن. وسرعان ما تحركت إدارة مرفأ بيروت لمراجعة كل من كابل 1 وأوجيرو لمعرفة السبب فتبيّن أن المشكلة عند أوجيرو.

 

كل البلد على “صوص ونقطة”. النظام العقاري توقف. النافعة تعرقل نظامها مرات وتوقف. الأمر خطير. لكن الجمارك اليوم تحاول، بحسب عارفين في الموضوع، “تسيير الأمور بالتي هي أحسن”.

 

نصف أجر لضاهر

 

موظفو المركز الآلي خرجوا من السجن بكفالة مرتفعة. وقد تمت تبرئة اثنين منهم محسوبين سياسياً على طرف واحد. وخرج الباقون بكفالة لعدم كفاية الادلة. وتقرر منعهم من دخول المراكز الجمركية في لبنان. وهؤلاء، لمن لا يعلم، يستمرون بتقاضي نصف أجرهم. حتى الموظفون، مثل بدري ضاهر، يستمرون بتقاضي نصف أجر. هنا، يتحدث موظف من داخل الجمارك على أن ضاهر كان قد ألغى بصمة إدخال المركبات الى لبنان فأعاد هيثم إبراهيم لاحقاً إحياء العمل بآليات الكشف على المركبات الواصلة ومنذ ذاك الحين إمتلأت المرائب في المرفأ بالسيارات الممنوع دخولها الى لبنان والتي تعمل على المازوت وعمرها قبل 2017 والسيارات العاملة على الغاز والسيارات التي تصل ومقودها على الشمال. ما يعني أن آلاف السيارات دخلت قبلها الى لبنان غير مستوفية الشروط.

 

إنفجر مرفأ بيروت واغتيلت العاصمة لكن ملفات الجمارك إستمرت محفوظة بفعل إصرار إبراهيم سابقا على إدخال كل المستندات الى المكننة. وهذا ما لم يكن “على خاطر” بدري ضاهر الذي قال يومها: ممنوع إدخال كل المعلومات الى المكننة لأن هناك معاملات ومستندات سرية. كما أصرّ إبراهيم على وضع “باركود” على المستندات وهو ما صوّره البعض على أنه يتعامل معها كما يجري تعامل السوبرماركت مع السلع.

 

صفقة السكانر

 

أمور كثيرة غريبة عجيبة كانت تحصل في الجمارك اللبنانية. وأمور كثيرة تثير ألف سؤال وسؤال اليوم. بينها أنه تمّ إيقاف اثنين من العاملين في المركز الآلي هما إيلي نصراني وجان موسى بينما جرى الإبقاء على رئيسهما وسيم خوند حراً طليقاً. ولا تسألوا لا لماذا ولا كيف. هي القرارات العرجاء التي لا تُفهم لا في الداخل اللبناني ولا في الجمارك اللبنانية.

 

نحو 150 موظفاً في الجمارك اللبنانية. وفي الفترة الاولى التي تلت إنفجار مرفأ بيروت جلسوا في سياراتهم لإنجاز المعاملات. لهذا لا يمكن وضع الجميع في ميزان واحد. لكن، لا يجوز في الآن نفسه غضّ النظر عن كل السيئات التي كانت تحصل وكل الصفقات التي تمّت. فلنأخذ مثلا الصين التي أعطت سكانر الى مرفأ بيروت على شكل هبة وتبيّن لاحقاً أننا ندفع لها 400 ألف دولار سنوياً لصيانة السكانر الذي يبلغ ثمنه مليوني دولار فقط لا غير. أي أن لبنان كان قادراً أن يشتريه ويجري صيانته بنفسه. إنها الصفقات. لبنان كان يدفع مليونين ونصف المليون دولار ليدخل نظام cloud. وكان لبدري ضاهر نظام خاص به.

 

أمرٌ آخر ظهر للمولجين اليوم في أمور الجمارك وهو أن الحجز على باخرة معينة ليس معناه الحجز على البضاعة التي فيها بدليل أن الباخرة التي حجزت قبل أشهر قليلة وفيها زيت جرى تفريغها بعدما تأكد أن هناك عقد نقل مع الباخرة بموجب الملاحة البحرية. وبالتالي الباخرة التي أقلّت النيترات قبل أعوام وأدت الى ما ادت إليه كان يفترض ألّا يجري الحجر على محتوياتها معها. فهل حصل ذلك جراء إهمال أم عن قصد؟ هذا ما يفترض ان يكشفه التحقيق.

 

تراجعت واردات الجمارك كثيراً في الآونة الاخيرة، أكثر من 60 في المئة من دون إحتساب الإنهيار في العملة المحلية. أما من يتحجج اليوم بأن المعاملات تتأخر في مرفأ بيروت فيقول مصدر في الجمارك إن معدل أيام التخليص الجمركي هو ثلاثة أيام لكن بسبب ارتباط الامر بالوزارات المعنية فيتطلب عشرة أيام إضافية. فموظفو الوزارات لا يعملون إلا يوماً واحداً أو يومين في الاسبوع. وهناك لمعلوماتكم أكثر من 1500 مخلّص بضاعة في مرفأ بيروت.

 

وما دمنا في زمن وقف المملكة العربية السعودية الإستيراد من لبنان هل لنا أن نعرف كم بلغ حجم التصدير اليها والى إيران في آخر سنة؟ إستوردت السعودية سلعاً بمبلغ 118 مليون دولار مقابل 251 ألفا قيمة الصادرات الى إيران.

 

تعمل الجمارك اللبنانية حالياً على دراسة تعديل الدولار الجمركي والبنك الدولي ليس مقتنعا بأن الجمارك تخسر رسوماً. في هذا الإطار دلت الدراسات الى أنه إذا انتقلت الجمارك للجباية على أساس المنصة، اي 14 ألفاً، ستتقاضى زيادة مقدارها 11 مليار ليرة سنويا أما الآن فتبلغ إيراداتها وفق سعر الـ 1500 ليرة 2000 مليار ليرة. أما إذا أخذتها على سعر 3900 ليرة فستتقاضى فقط 2,277 مليار ليرة.

 

الجمارك اللبنانية تحاول اليوم أن “تقوم” من تحت الردمِ. اللبنانيون عموماً يحاولون أيضا ذلك. لكن، هناك من يحاول أن يشدّ بالجميع الى تحت تحت. فمن سينجح ومن سيفشل؟