IMLebanon

عن الجدل اللبناني حول مئوية الإبادة الأرمنيّة تحية الى الزميلة بولا يعقوبيان

 

«إن إنكار مذابح آلاف الأرمن يعنى المشاركة في الجريمة ضد الإنسانية(…) إن معاناة 1915 ليست من الماضي بل الحاضر، ولا يمكننا بلوغ السلام والراحة إلا بالمصالحة مع التاريخ لكن مع التاريخ الحقيقي، وليس التاريخ المخترع أو المعدل مثل تاريخنا وإنقاذ أنفسنا من جرثومة استغلاله»، هذا الكلام ليس لنا، بل هو موقف شجاعٌ ومتقدّمٌ جداً للكاتب التركي حسن جمال، وحسن جمال هذا الكاتب، هو حفيد جمال باشا السفاح الذي أرعب اسمه العالم العربي بسبب تعليقه المشانق للمثقفين العرب، المسلمين والمسيحيين في ساحة البرج وسط بيروت التي أصبح اسمها لاحقاً ساحة الشهداء…

لم يسبق أن شهدت مواقع التواصل الاجتماعي اللبناني جدلاً بين أبناء فريق واحد هو 14 آذار، كما شهد يوم أمس، ولأنّه كان جدلاً عقيماً أدركتُ أنّ هبّة هواء قويّة قد تطيح بنا، فالمسلمون في حال جهلٍ تام لما تعرّض له الأرمن وسواهم ويكرهون في نفس الوقت رجب طيب أردوغان، ولم أفهم لم كان موقفهم متشدداً من احتفال لبناني عام في ذكرى الإبادة الأرمنيّة، خصوصاً أولئك «المشايخ» الذين قامت قيامتهم قائلين: «لا نقبل أن تُهان تركيا في لبنان»!! انتهينا؛ ولّى زمن كان المسلمون فيه رعايا «الدولة العثمانيّة»، وليس من حقّ أحدٍ أن يقرّر عن اللبنانيين علاقتهم بمواطنيهم اللبنانيين من أصول أرمنيّة ، وللمناسبة هؤلاء الثائرين لكرامة تركيا معروف أنهم من «جماعة الإخوان العالميّة» ومقرّها تركيا ودعمهم وأموالهم يتلقّوْنه من «تركيا الإخوانية» !!

وربما من واجبنا أن نذكّر هؤلاء، أنّ «التركي» اباً عن جدّ، وحفيد الحاكم التركي المجرم جمال باشا السفّاح وضع كتابه في هذه المسألة وعنوانه «1915 الإبادة الأرمينية» الذي احتل المركز الأكثر مبيعاً في تركيا ولاقى صدى عالميا هائلا، حتى خشى البعض أن يتعرض كاتبه لما سبق وأن تعرض له صاحب نوبل أورهانياموك، حين صرح لصحيفة سويسرية بأن «تركيا قتلت 30 ألف كردي ومليون أرمني، مما عرضه للمساءلة القانونية قبل أن تسقط عنه التهم»، فأي دفاعٍ هذا الذي يتنطح له بعض اللبنانيّون، متجاهلين أنهم بهذا ينكرون كلّ ما نزل بلبنان من مجازر على يد الاحتلالات السورية والإسرائيليّة والإيرانية!!

«المبدأ» لا يتجزّأ، لا أكون مع الحريّة وضد السفاحين الجدد في سوريا، وأدافع عن سفاحين آخرين مدعياً أنني أرفض اتهامهم، القتل هو القتل، والإبادة إبادة سواء في أدلب أو في أرمينيا، والهجرة والتهجير هي واحدة في سوريا وفلسطين وأرمينيا، ومن يعاني «ازدواجيّة» في مواقفه فليخضع لعلاج أو فليعتزل ويوفّر علينا كلامه السياسي الممجوج الآتي من خارج السياق اللبناني!!

حفيد جمال باشا السفاح، الكاتب حسن جمال لم يخشَ ولم يتردد في إنصاف التاريخ فوثّق في كتابه: «إن إنكار مذابح آلاف الأرمن يعنى المشاركة في الجريمة ضد الإنسانية» كما قال في مقدمة الكتاب «إن معاناة 1915 ليست من الماضي بل الحاضر، ولا يمكننا بلوغ السلام والراحة إلا بالمصالحة مع التاريخ لكن مع التاريخ الحقيقي، وليس التاريخ المخترع أو المعدّل مثل تاريخنا وإنقاذ أنفسنا من جرثومة استغلاله».

مجزرة الإبادة الأرمنية، حاضرة في ذاكرتنا، كما في ذاكرة مواطنينا الأرمن، ولطالما روى لنا جدّي في عتم الحرب ليخففوا عنّا مخاوفنا  أخبار الظلم العثماني الذي نال لبنان وعن مجاعة العام 1913، وعن الرجال الذين اضطروا لقطع إصبع «السبابة» في يده اليمين حتى يصنف عاجزاً عن إطلاق النار، في القرن العشرين سمعنا الكثير من أهلنا عن تركيا المتجبرة التي شنقت وأعدمت ومن أعدمتهم كانوا ينادون بالقومية العربية التي توحد المسلمين والمسيحيين، إلا إذا كان البعض يريدنا أن ندافع عن «العرق الطوراني العنصري» الذي سعى عبر جمعية «الاتحاد والترقّي» الذي سعى معه المتعصبين لتنفيذ سياسة التتريك، إلى حد دفعه لتدبير مذابح لكل القوميين العرب المطالبين باستقلال الولايات العربية عن الإمبراطورية العثمانية، وذلك خلال الفترة بين 1915-1917، ومازالت ذكرى هذا اليوم حاضرة في ذاكرتنا منذ الطفولة، وتروى لنا كلّ عام عن عيد الشهداء في السادس من أيار، ونحن أيضاً لم ننسَ، وربما على العرب مطالبة تركيا باعتذارٍ عمّا فعلته ببلادنا، وليعرف كل المدافعين عن تركيا أنها ترفض الاعتراف بارتكابها هذه المجازر بحقّ الأرمن وسواهم، ليس لأننا لم ترتكبها، فهي اعترفت فقط بقتلها 300 ألف أرمني، بل إنكارها هو خوف من التعويضات التي ستضطر لدفعها لاحقاً عمّا جنته وحشيتها في إبادة مليون ونصف أرمني وتشريد من تبقى في الفلاء والعراء ليواجه «فرع الموت» مئات المرات قبل أن يصل إلى فيه شربة ماء.