إختار رئيسُ مجلس النواب نبيه بري منذ لحظة إغتيال الرئيس رفيق الحريري أن يلعبَ دورَ الإطفائي في الساحة اللبنانية حتى في ذروة الصدام بين الفريقين الآذاريَين، حفظ لنفسه، كما ثبّت الآخرون له، مساحة التلاقي التي جعلت من عين التينة مكانَ لقاء الحوار البارد بين جنبلاط وحزب الله قبيل عودة الحرارة الى خطّ المختارة – حارة حريك، والحوارُ الساخن بين حزب الله وتيار «المستقبل» الذي لامس عشية انعقاده حدّ المستحيل.
وعلى وقع غليان المطالب الشعبية المحقة في الشارع، من ازمة النفايات الى الفساد الذي فاحت رائحته، وبالتزامن مع التعطيل داخل الحكومة وقبلهما الفراغ في قصر بعبدا، نجح بري في لمّ شمل الساسة اللبنانيين الى طاولة حوار لم يخرج منها إلّا «القوات اللبنانية» كما فعلت إبان تشكيل الحكومة الحالية.
وسريعاً ظهر الإنقسام بين المتحاورين، ليس على الهدف، بل على الطريق الواجب سلوكها للوصول اليه المتمثّل بالحلّ السياسي للأزمة اللبنانية.
ففريق 8 آذار وحليفه «التيار الوطني الحر» رسما معالم طريق الحلّ بقانون انتخابات على أساس النسبية، تليه انتخابات رئاسية، فحكومة جديدة.
فيما فتح جنرال «التيار الوطني الحر» باباً خلفياً للحلّ عبر تعديل الدستور وانتخاب الرئيس بالإقتراع الشعبي المباشر.
أما فريق 14 آذار فانطلق بأولويات مختلفة تبدأ بإنتخاب الرئيس (بأصوات البرلمان الحالي) ومن بعده إنتخابات نيابية فحكومة وفق الاحجام الجديدة.
وعليّه إتفق المتحاورن على سلم الحلّ إلاّ انهم إختلفوا على تحديد الدرجة الأولى فيه حول ما إذا كانت تبدأ برأسه أم كعبه. واليوم يبدو أنّ عدوى الحوار اللبناني والإختلاف على سلّم الاولويات قد إنتقلت الى طاولة الحوار الدولي حول سوريا.
فلقد وصف مصدر ديبلوماسي رفيع زار بيروت في الساعات الماضية «مؤتمر فيينا» الرباعي الذي شاركت فيه الولايات المتحدة الاميركية وروسيا الى جانب السعودية وتركيا بأنه «طبخة بحص» رمى فيها كُلُّ الأطراف ما في جُعَبِهم وبمقاديرهم، وفي الخلاصة إختلف المتحاورن على سلم الاولويات.
الجانب الروسي وبالإتفاق مع الرئيس بشار الأسد في القمّة العَلَنية الأولى في موسكو بإجتماعاتها المنفردة منها والموسَّعة بأركان الدولة الروسية الديبلوماسيين والأمنيين والتي انتهت بمائدة عشاء شرب فيها الحاضرون «نخب السوخوي» وخريطة طريق الحلّ، رسما مساراً يبدأ بتعديل الدستور، فإنتخابات نيابية ومن بعدها انتخابات رئاسية مبكرة يسبقها إستفتاء شعبي يجيز تقليص ولاية الأسد الحالية. أما الحكومة فلا إختلاف سواءٌ بتشكيلها بداية أو تأجيل الأمر.
هذه الخريطة التي لم تُعجب السعوديين ومعهم الأتراك، وهما الطرفان الاكثرَ جدّية وتشدّداً في دعم المعارضة السورية بأشكالها ومسمياتها المختلفة. فالثنائي المناوئ للأسد رسم على طاولة فيينا الرباعية طريق الحلّ السياسي عبر تغيير الرئيس ومن بعده تعديل الدستور وتغيير نظام الحكم من رئاسي الى برلماني، فإنتخابات نيابية تقلّص من نفوذ الرئيس «العلوي» الهوية. في إستنساخ للدستور اللبناني الممهور بـ»طائف» المملكة العربية السعودية. وهنا يكاد يكون الإختلاف على الطاولة السورية اشبه بنظيرتها اللبنانية.
فهل تُعقد قريباً طاولة واحدة للملفين يترتّب بموجبها سلّم الأولويات؟ وهل ينجح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي تركه الروس قصداً خارج رباعية فيينا كمخرج للحلّ في مرحلة لاحقة، في لعب دور يحاكي دورَ بري فيجمع السوريين الى طاولة حوار؟
لا يبدو ذلك قريبَ المنال حتى الساعة فعلى رغم كثرة الضجيج فإنّ الحجيج الى التسوية لا يزال مبكراً إيذانه، والرهان على الميدان مستمرّ والجدل السياسي اشبه بالترف على حدّ قول الديبلوماسي الضيف في بيروت.
وعليه يبقى سؤالٌ أخير: هل ستُعلّق طاولة الحوار اللبنانية الى أن ينتهي الإعداد للطاولة السورية؟ أما أنّ المتحاورين سيواصلون استهلاكَ النقاش في إنتظار ساعة التلاقي بين الطاولتين؟