قد يكون من غير المناسب الحديث إلّا بلغة التفاؤل، فيما سيتابع اللبنانيون من الآن فصاعداً جلسات «الحوار» بين ممثلين عن طرفَي الإنقسام الأكبر الذي يخترق العالمَين العربي والإسلامي: السنّة والشيعة.
على رغم إقتناع الجميع بالحدود التي سيصل اليها هذا الحوار، فإنّ سيادة هذه اللغة بحدّ ذاتها أمر مطلوب أمام طغيان لغة القتل والدمار في أكثر من مكان.
لعلّها الخصوصية اللبنانية نفسها هي التي ميّزت ولا تزال فرادة هذا البلد على رغم كلّ ما أصابه، وخلافاً للمسار العام الذي يحكم العلاقة بين العرب والمسلمين، الى أيّ بقعة جغرافية انتموا.
بَيْد أنّ لغة التفاؤل لا يمكنها أن تخفي السيناريوهات المقلقة، فيما لا يزال طرفا الإنقسام الأكبر متمسّكين بأوهامهما في إمكان حسمهما النزاع وفق حسابات الغلبة.
ولا يخفي المتابعون لملف لبنان في واشنطن تخوّفهم من ألّا تشهد جلسات الحوار خواتيم سعيدة، معتبرين أنّ ما يحصل قد لا يخرج عن نطاق محاولة ملء الفراغ وتقطيع الوقت في إنتظار تبلور نضوج طبخة الحلول السياسية الإقليمية والدولية في الأسابيع والأشهر المقبلة.
ويؤكّدون أنّ المبالغة في الحديث عن انفراج في العلاقات الإيرانية ـ السعودية، لا محلّ لها في الإعراب، فيما الأوضاع المتحرّكة على الأرض لا توحي بأنّ الأمور وصلت الى لحظة يمكن الحديث معها عن فرض شروط او أقلّه القبول بتسويات، تعكس ميزان القوى القائم.
زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني على «أقاليمه»، يُنظر اليها كرفعٍ للمعنويّات وشدِّ أزر مَن يحتاج عضداً، خصوصاً أنّ وقائع سياسية وميدانية عدة تشير الى متغيّرات بدأت تسلك طريقها للتحوّل معطياتٍ تصبّ في خانة إعادة رسم خطوط المواجهة، سواء مع تنظيم «داعش» أو مع الأوراق الإقليمية المتجمّعة في يد هذا الفريق أو ذاك.
ويدعو هؤلاء الى النظر بشكل موسع الى ما يشهده الإقليم، فيما حدود المناورة تتقلص لدى الاطراف التي سعت ولا تزال الى محاولة الافادة ممّا يحدث، سواء بالتواطؤ او بالإستدراك.
نجاح الأكراد في تثبيت دورهم في المعادلة الإقليمية بعد صمودهم في مدينة كوباني وصولاً الى تحرير سنجار، يترافق مع تخزين الجيش الأميركي المعدات القتالية في الكويت، والإعلان الرسمي عن بدء التطوّع في الحرس الوطني العراقي من أبناء العشائر السنّية، تحضيراً لمعركة تحرير الموصل في الربيع المقبل.
من جهةٍ أخرى، تأتي تصريحات ملك الاردن عبد الله الثاني، «النادرة» الوضوح، عن أوسع دعم سيقدمه إلى العراقيين السنّة في مواجهة «داعش»، بالتزامن مع تصريحات تركية عن إمكان بدء تدريب المعارضة السورية المعتدلة حتى قبل آذار المقبل، فيما طائرات التحالف الدَولي تشّن غارات للمرة الأولى على مواقع لـ»داعش» دعماً لتلك المعارضة في ريف حلب.
ويصف هؤلاء هذه التطورات بأنها جزءٌ من الجهود الأميركية، في وقت تضيق رقعة المناورة أمام أطراف إقليمية إستفادت ولا تزال من خلط الأوراق الذي حصل قبل نحو ستة اشهر.
ويعتقدون أنّ الأتراك قد وصلوا الى مرحلة الإذعان بضرورة الإنتظام في المعادلة الإقليمية في الحرب على «داعش»، بعدما ضمنوا «حصّتهم» سواء في العراق أو في سوريا، فيما «العامل الكردي» يلعب دوراً كبيراً في هذا المجال. الى ذلك، لا يمكن إغفال نتائج القمة الخليجية الأخيرة بعد ضمور موقع «شماعة» الإخوان المسلمين في مختلف أرجاء العالم العربي.
فها هي إنتخابات تونس تدق مسماراً كبيراً في مشروع «أخونة» العالم العربي بعد فشلهم في مصر وتراجعهم السياسي في بلدان المغرب العربي، والتطويق الجاري تباعاً لمختلف الحركات الإسلامية الجهادية وغير الجهادية في ليبيا.
هل هذا يعني أنّ «اختفاء» التطرّف السنّي بات أمراً قائماً بين ليلة وضحاها؟
يجيب هؤلاء: الأمر ليس بهذه البساطة ولا تراجع عن التقدير الذي تحدّث عن سنواتٍ لإنجاز هذه المهمة، إلّا أنّ ما يحدث يوضح أنّ حسابات الاطراف الاقليمية برمتها تحتاج الى إعادة نظر.
وهذا ما ينسحب أيضاً على إيران التي «تعتاش» ويزدهر خطابها السياسي من استمرار التطرّف السنّي في المنطقة وإدامته. فهي تدرك أنّ تطويق هذا التطرّف بالتحالف والتنسيق معها يختلف عن استبعادها منه، وما تسعى الى تسويقه بالتنسيق مع روسيا تحت شعار الحرب ضدّ الإرهاب، قد لا يجد سوقاً له، فيما المهمة تنجز في معزل عنهما.
قد تكون حرب إسقاط المطارات ومعسكرات النظام السوري في عدد من المناطق السورية، مؤشراً الى سقوط كلٍّ من خطة السلام الروسية وخطة الموفد الدَولي ستيفان دو ميستورا لتجميد الحرب، ما لم يجرِ البحث عن حلول عملية تأخذ في الإعتبار ما كشفته صحيفة «الأهرام» المصرية المحسوبة على النظام المصري، عن مشروعٍ لحلّ الأزمة السورية ينطلق جوهرياً من مبادرة «جنيف 2».