Site icon IMLebanon

صعوبة التحايل اللبناني  على الديموغرافيا والجيوبوليتيك

ردود الفعل توحي، خلافاً للنظرة التقليدية، أن الانتخابات البلدية تعكس مزاج الناس أو تسمح بالتعبير عنه أكثر من الانتخابات النيابية. فالانشغال بها بعدما انتهت يبدو أكبر من الاشتغال فيها. والقراءات في ما تغيّر وما لم يتغير تركز كثيرها على الميكرو وقليلها على الماكرو، وسط تسابق الأحزاب والعائلات والشخصيات على المفاخرة بما ربحته ومحاذرة الاقتراب مما خسرته.

وليس كل ما حدث في الموسم البلدي هو الأفضل. لا على صعيد التحالفات التي تنوعت الشراكات فيها وتناقضت أحياناً، بحيث راوحت بين ما هو مبدئي ضمن تقارب المواقع والمواقف السياسية وبين ما هو موقت لضمان الربح ولو بالتحالف مع الخصوم. ولا على صعيد النتائج التي يصعب النظر اليها من زاوية واحدة لأن المعايير التي جاءت بها مختلفة. لكنه حدث، وعلينا التعامل معه بواقعية من منظور وطني، على الرغم من الرغبات التقليدية في توظيفه لتصفية حسابات سابقة للانتخابات البلدية.

ذلك أن قدرة أي طرف قوي على كربجة النظام تنطلق من كون الطوائف والمذاهب بلوكات تتحكم بها أحاديات وثنائيات. والحد الأدنى المطلوب لتسيير آلة الحكم التعددي هو العودة الى التعددية في كل طائفة ومذهب. لكن السؤال هو: هل ما تغير هو حركة الى أمام أم الى وراء، ونقلة الى قوى أكثر حداثة أم بقاء مع قوى تقليدية؟ وهل ما تمكن أهل الأحاديات والثنائيات من الحفاظ عليه هو حال أفضل أم أسوأ؟

الجواب على الأرض: اذا لم نكن مواطنين، لا رعايا طوائف، فلا تغيير حقيقياً في أية انتخابات. وليس من المفاجآت، سواء كان السبب هو تنامي العصبيات أو التطاحن السني في انتخابات طرابلس، أن يسقط من لائحة الفائزين المكون المسيحي والمكون العلوي. فالوطن الصغير الذي يواجه تحديات كثيرة محكوم بنوعين من الأمر الواقع في خانة المتغيرات: الخلل الديموغرافي، والتحولات الجيوسياسية في المنطقة. وما نحاوله منذ الطائف هو التحايل على الديموغرافيا. وما نحلم فيه منذ حروب سوريا والعراق واليمن وليبيا هو الحد من مخاطر التغيير الجيوسياسي على لبنان.

لكن هذه مهمة صعبة. فالخلل الديموغرافي له أبعاد اقليمية. واذا كان الحفاظ على المناصفة ممكناً، فإن الواقع يتحكم بالمساعي لضمان نوعية المناصفة وجوهرها والحضور المسيحي الرمزي في بعض البلديات. والتحولات الجيوسياسية في المنطقة تؤثر فينا بمقدار ما يعمل طرف لبناني على التأثير فيها لتقرير مصير لبنان. وهي أخذت أو أعطيت طابعاً مذهبياً للصراع، بحيث صار لبنان مضطراً لانتظارها حتى لاجراء انتخابات رئاسية.

أليس الغائب الأخير هو رأس الدولة الماروني الذي يصعب الحديث في غيابه عن الدور والشراكة والميثاق؟