على رغم أنّ لبنان أكثر بلد مُعرّض لأن تُطاوله نيران الحرب الإسرائيلية، إذا لم يكُن الأوحد، كجزء من العملية العسكرية التي تستهدف قطاع غزة رداً على «طوفان الأقصى»، فتتخطّى الاشتباكات بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي حدود الجنوب، إلّا أنّ الحكومة ومجلس النواب والقوى السياسية خارج اللعبة. وتحوّل المسؤولون والسياسيون إمّا إلى حاملين شعار «لا للحرب» وإمّا محلّلين وقارئين لما يحصل. لذلك ينتظر اللبنانيون إطلالة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله لمعرفة مصيرهم ومصير البلد، نظراً إلى أنّ نصرالله يُعتبر اللاعب الوحيد داخلياً الذي يسيطر على كرة الحرب أو النأي بلبنان عن عاصفة الغضب الاسرائيلية.
لذلك لا سلاح أو أوراق في يد لبنان لدرء شبح الحرب عنه، إلّا العمل الديبلوماسي، عسى أن يتمكّن من خلال دول صديقة أن يلجم الجنون الاسرائيلي، بالتوازي مع العمل الحواري الداخلي مع «حزب الله» للحؤول دون تصعيده. وتنشط البعثات الديبلوماسية اللبنانية في الخارج بإيعاز من حكومة تصريف الأعمال ووزارة الخارجية، لضرورة تأكيد الطلب من الدول الصديقة الضغط على اسرائيل لكي لا توسّع الاعتداء على لبنان وأن لا يستدرج لبنان إلى توسيع رقعة الاشتباكات، فتبقى محصورة وموضعية ولا تتوسّع على صعيد دولتين. وبالتوازي مع تركيز الديبلوماسية اللبنانية على عدم توسّع النزاع وحصره، هناك عمل مع الدول العربية بهدف الوصول إلى تسوية ما في قطاع غزة.
وتشير مصادر ديبلوماسية إلى أنّ رسالة لبنان للدول كافةً واحدة: مساعدتنا في الضغط على اسرائيل لكي توقف اعتداءاتها وتلتزم القوانين الدولية. لكن هذه المصادر تبدي قلقها من المعطيات والمؤشرات الديبلوماسية والعملانية على الأرض، والتي تبيّن أنّ لبنان لم يصل إلى مرحلة الأمان بعد. وتستنتج هذه المصادر، بعد أن التقت أخيراً سفراء دول عُظمى وكُبرى، أنّه من الصعب الوصول إلى تسويات حالياً بين إسرائيل وحركة «حماس»، قبل الغزو الإسرائيلي البري لقطاع غزة، والذي أعلنت إسرائيل أنه بدأ أمس. فبحسب استنتاجات ديبلوماسية دولية، إنّ الدخول البري إلى قطاع غزة لا بدّ منه بالنسبة إلى اسرائيل، وإلّا لن تستطيع أن تستمرّ. ذلك أنّ الحكومة الاسرائيلية دفعت ثمناً غالياً جرّاء عملية «حماس»، ومهما تمادت إسرائيل بالقصف والقتل والجرائم، لن تتمكّن من الوصول إلى مواقع «حماس» تحت الأرض وفي الأنفاق، من دون الدخول إلى غزة، على رغم أنّ هذا سيكبّد الإسرائيليين أثماناً باهظة أيضاً. لكن كلّ الخيارات لدى الحكومة الاسرائيلية صعبة ومرّة، وهذا نتيجة احتلالها الكامل وعدم قبولها بالحلول السلمية التي طرحها العرب والمجتمع الدولي، فضلاً عن أنّ الضغط يولّد الانفجار، وهذا ما حصل مع الفلسطينيين، بحسب المصادر نفسها.
وتعتبر هذه المصادر، بحسب الإجتماعات التي عقدتها مع مسؤولين وديبلوماسيين في الخارج، أنّ الأوضاع دقيقة وخطيرة جداً، طالما ليس هناك أي نوع من التسوية في قطاع غزة، وطالما لم يجرِ التوصُّل إلى أي نوع من التهدئة في القطاع، يبقى الخطر على لبنان قائم ودائم. فهناك احتمال أن تتمادى إسرائيل باعتداءاتها وتحركاتها العسكرية بحيث تجبر لبنان، من باب الدفاع عن النفس، أن يدخل في الحرب.
لذلك، بحسب هذه المصادر، وبمعزل عمّا تعلنه إسرائيل أو إيران أو «حزب الله»، خصوصاً أنّ أي طرف دولي لا يُمكنه حتى الآن أن يضمن التزام أي من هذه الجهات بوقف الاستفزازات وعدم توسيع الحرب، يبقى الأمل الوحيد العملي لتجنيب لبنان كأس الحرب المرّ، مرحلياً، إلى حين التوصُّل إلى حلّ نهائي، أن تعلو الأصوات الديبلوماسية الدولية على صوت المعركة، ويجري التوصُّل إلى وقف إطلاق نار أو هدنة انسانية، أو أي نوع من التسوية الموقتة في قطاع غزة، مهما سُمّيت. لكن طالما أنّ جرح غزة مفتوح هذا يعني أنّ جنوب لبنان والبلد كلّه معرّض في أي لحظة لتوسُّع الحرب.