بانقسامهم التّاريخي، وتكفي العودة بالتّاريخ إلى ثلاثة قرون على الأقلّ لنعرف أنّ انقسام اللبنانيّين تاريخي، جعلوا من أنفسهم لعبة بيدِ الدّول، “دولة القناصل” لكلّ طائفة قنصل أو سفير أجنبي يمثّلها، وما أكثر ما اندلعت الحروب وسارع كّل طرف إلى مناداة حامي حماه للتّدخل، حتّى تحوّلنا إلى ما يطلق عليه بالإنكليزية Table football أو Baby Foot أو Foosball، لسنا أكثر من هذه الطاولة الخشبيّة التي كنّا نتمنّى ونحن صغار أن يُتاح لنا اللعب بها أو بالكثير الفرجة على اللاعبين!
ما كان يحدث من ثلاثة قرون لا يزال يحدث، سواء كان لبنان قائمقاميّتين أو متصرّفية أو دولة تحت الإنتداب أو كان جمهوريّة وسواء قبل الطائف أو بعد الطائف وزمن الاحتلال وما بعد الاحتلال لا يزال لبنان طاولة خشبيّة تعبث الدّول بلاعبيها الصغار المثبّتين على عامود حديدي غليظ ليضربوا بها كرة صغيرة بسبب انقسامنا، والمدهش أننا نصفّق بحماسة كبيرة للاعبين الحقيقيّين، وبعد حين لن نلبث أن نحشر أنوفنا في المعركة الإنتخابيّة الرئاسيّة وسيخرج علينا أصدقاء دونالد ترامب في لبنان، مع تجربتهم الأولى معه انتهت بخيبة أمل فهو ليس أكثر من تاجر سلاح ومواقف كاذبة!
لبنان هذه الكرة “المسكينة” التي تُركل من دون هوادة ومن دون أن يتسنّى له أن يأخذ نفساً حتى، في واللبنانيّين تنتاب الموارنة كلّ ست سنوات ـ من دون جميلة الطوائف الأخرى ـ فلا تراهم يتّفقون على واحد منهم ليكون رئيساً. وكالعادة يدفع لبنان كلّه ثمناً غالي لبنان اللعبة فالتة ومتوحّشة لا قوانين ولا حدود لها أخذت في طريقها كلّ شيء وتركت البلاد تدور في فراغ انتخاب رئيس، كأن رئاسة الجمهورية أصبحت لعنة على لبنان اً ويتكبّد ثمناً ثقيلاً لأنّ العُرْف يقتضي أن يكون الرّئيس من جنس الموارنة!
عمليّاً، لن يأتي شعب آخر لإنقاذنا من أنفسنا، ولن يأتينا سيّاسيّون من الفضاء الخارجي ليغيّروا تكرّر مشهد تعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة ولا تعطيل ومنع تشكيل الحكومات، وبرأينا “كلّ الحكومات تشبه بعضها”، وأنّنا كـ “شعوب لبنانيّة” لا نريد ولا يهمّنا ولا يعنينا تغيير هذا الواقع لأننا استقلنا من دورنا “كشعب”، فاللبنانيّون على جري عادتهم يتناحرون ويهدرون وقتاً لن يُحاسبهم عليه أحد، سابقاً كان الخوف والقلق يسودان أي موقف ربما لإحساس اللبنانيين بأنّ هناك خطوطا حمراء تفرض خيمة حماية دولية أمنيّة هشّة للبلد تجعلهم أكثر استرخاءً، الآن على حافة اندلاع حرب وعالم كان مشغولاً بأوكرانيا فأصبح همّه الأكبر حماية إسرائيل، بات علينا أن نحسب ألف حساب! من المؤسف أنّنا كشعب حتى هذه اللحظة لا نزال شعباً لم يعد يستفزّنا لا مصيرنا ولا مصير بلدنا ولا مصير ومستقبل أبنائنا فيه؟!