تنطلق غداً أعمال الدورة الثامنة والعشرين للقمة العربية التي يشارك بها أكثر من سبعة عشر ملكاً ورئيس دولة ورئيس وزراء، ويحضرها مبعوث رئاسي من كلّ من الولايات المتّحدة وروسيا بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريس، ومبعوث الأمم المتّحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا ومبعوث من الحكومة الفرنسية. الحضور الدولي غير المسبوق لا يبرره البُعد الجغرافي العربي كحاضن لصراعات دموية منذ أكثر من ست سنوات، ولا يبرره البعد الإرهابي للحرب الذي طاول العمق الأوروبي مهدداً القيّم التي تأسست عليها مجتمعاته، وكرّس نفسه ناخباً رئيسياً في برامج أحزابها وفي وجدان شعوبها التي تزداد قلقاً يوماً بعد يوم.
المؤشرات التي تشكّل الإطار المرافق للقمة الثامنة والعشرين تجلّت بعددٍ كبير من الدلالات ليس أبرزها الموقف الأميركي الجديد من الجمهورية الإسلامية بأبعاده الصاروخية والميدانية في كلّ من اليمن والعراق وسوريا، والذي عبّر عنه التّدخل العسكري الأميركي المتزايد واستعادة زمام المبادرة في الشمال السوري والموصل، كما عبّرت عنه القمة السعودية الأميركية التي جمعت ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع محمد بن سلمان بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي ظهرت نتائجها في التنسيق المشترك في المحيط الهندي قبالة الشواطئ اليمنية لحماية الملاحة الدولية، وبما رَشَح عن رغبة أميركية بتقديم الدعم لقوات التحالف العربي لإحباط المشروع الإيراني في اليمن. إذ لا يمكن، في هذا المجال، التقليل من الأهمية التي تعطيها الإدارة الأميركية لدور عربي مرتقب، سياسي وعسكري، من طرابلس في المغرب العربي مروراً بدمشق وحتى شواطئ المتوسط بما يعيد إلى واشنطن توازنها في المنطقة مقابل الإنتشار الروسي المتسارع.
إستعادة التوازن الأميركي في العالم العربي، في الحسابات الأميركية، يشكّل أحد النجاحات التي تأمل الإدارة الجديدة تحقيقها والبناء عليها على صعيد السياسة الخارجية، لتعويض الإخفاقات التي منيّت بها في الداخل على صعيد فرض قيود على دخول الرعايا العرب من أكثر من دولة، أو على صعيد إسقاط مشروع «أوباما كير»، أو الحدّ من نسبة البطالة. وفي هذا المجال يمكن النظر إلى الثقل الذي تمثله المملكة العربية السعودية في دول شرق آسيا الإسلامية، والتي شملتها زيارة خادم الحرمين الشريفين، كأحد مرتكزات الجهد الأميريكي لملاقاة التمدد الصيني نحو الأسواق الآسيوية تحت مسمّى «طريق الحرير الجديد».
جدول أعمال القمّة العربية سيتطرق إلى كلّ الملفات الساخنة التي ستشكّل أساس التعاون الأمني والإقتصادي مع المجتمع الدولي، وفي مقدّمتها الأنشطة الإيرانية التي تهدّد الإستقرار في العالم العربي. اللجنة الوزارية العربية الرباعية المعنية بمتابعة تطورات الأزمة مع إيران، اعتبرت يوم أمس أنّ ما تقوم به طهران من «تأجيج طائفي» يُعيق جهود حلّ أزمات المنطقة، بالتزامن مع ما أعلنته مملكة البحرين عن اكتشاف خلية إرهابية تستهدف مواقع حيوية ذات صلة بإيران، وما أعلنه الرئيس اليمني عن وجود خبراء إيرانيين ولبنانيين من حزب الله وعراقيين من الحشد الشعبي في صنعاء. بدوره أعلن الأمين العام للجامعة العربية عن ضرورة استعادة الأزمة السورية إلى الحاضنة العربية وعدم جواز ترحيلها إلى أطراف دوليّة وإقليمية يتحكّمون بها كما يشاؤون، ومعالجتها وفقاً لبيان «جنيف1» والقرار «2254» مع التأكيد على ضرورة تقدّم الدعم للدول التي تتحمّل أعباء اللجوء السوري ومن بينها لبنان.
يبدو الحرج اللبناني واضحاً في كيفية التعامل الرسمي مع الحدث العربي. هذا ما يمكن قراءته من خلال تشكيل الوفد اللبناني إلى الإجتماع التحضيري لوزراء الخارجية والذي ترأسّه الأمين العام لوزارة الخارجية والمغتربين بدلاً من وزير الخارجية، في الوقت الذي تنظر فيه كافة الدول العربية ولا سيما الخليجية منها إلى الكلمة التي سيلقيها رئيس الجمهورية اللبنانية، بعد مواقفه الأخيرة من سلاح حزب الله واعتباره سلاحاً شرعياً مكمّلاً لسلاح الجيش. إزدواجية القرار اللبناني ظهرت في مواقف رئيس الحكومة من سلاح حزب الله أثناء زيارته الأخيرة لجمهورية مصر العربية التي تناقضت مع رأي رئيس الجمهورية ومن خلال الإجابات الغامضة حول مضمون الموقف اللبناني الرسمي في الجامعة العربية من التّدخلات الإيرانية ومن سلاح حزب الله.
أمام كلّ التطورات المتسارعة والمحاور التي ترتسم في المستقبل القريب، يبدو تسويق الإزدواجية اللبنانية التي تجمع بين استحالتين صعبتي المنال، الإستحالة الأولى هي النأي بالنفس عن الصراع في سوريا وقبول مشاركة حزب لبناني في الحرب في آنٍ أمام الممثّل الشخصي للأمين العام المعني بالملف السوري، والإستحالة الثانية الإعتراف بشرعية سلاح حزب الله والإلتزام بالقرار1701 أمام الأمين العام للأمم المتّحدة. إنّ التّحدي المطروح على الدولة اللبنانية هو الخيار بين دورٍ تفاعلي مع محيطها الطبيعي يراعي مصالحها أو الإنتظار على قارعة طريق ما ستؤول إليه الصراعات الإقليمية. وبهذا المعنى، تبدو المقاربة اللبنانية للسياسة الخارجية دون مستوى الجديّة المطلوبة، فهل يعتقد الساسة في لبنان أنّه يمكن لموارباتهم الداخلية تطويع الإستحقاقات الإقليمية الحرجة؟؟؟؟
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات