IMLebanon

“وحدة المسار والمصير” لا تنطبق على الليرتين

 

عندما “ترتاح” سوريا يتنفّس الاقتصاد اللبناني

 

 

إذا كانت مقولة “وحدة المسار والمصير” بين سوريا ولبنان التي فرضها النظام السوري الساقط لتبرير الاستباحات السياسية والاقتصادية، والمطبّقة في حالات الضرّاء، فإنها ستكون حالياً سرّاء على صعيد تداعيات انعكاس انتعاش سوريا اقتصادياً بعد سقوط النظام. إذ سيتمّ وقف تهريب الدولارات من لبنان إلى سوريا وإغراق السوق اللبنانية بالمنتجات السورية وضبط الحدود… لكن ماذا عن تأثير تأرجحات سعر صرف الليرة السورية على الليرة اللبنانية، هل يكون مصيرهما واحداً؟

 

 

عمليات تهريب السلع والمنتجات من سوريا إلى لبنان لبيعها بأسعار مرتفعة في لبنان والحصول بالمقابل على الدولار، ونزف العمالة السورية العشوائية الموجودة في كل شارع وكل منطقة في لبنان ومنافستها للبناني والضغط على مالية الدولة والاقتصاد اللبناني والعملة الوطنية… كلّها عوامل من المفترض وضع حدّ لها وتنظيمها.

 

 

آثار انهيار الليرة السورية على النقد اللبناني لم تعد موجودة كما أكّد لـ”نداء الوطن” الباحث والخبير الاقتصادي محمود جباعي. فما يحاول بعض المضاربين الإيحاء به أن انهيار الليرة اللبنانية مربوط بانهيار الليرة السورية هو غير صحيح كما يؤكّد. معتبراً أن الوضع اليوم يختلف عمّا كان عليه منذ سنوات”. مستنداً في رأيه إلى واقع أن انهيار الليرة السورية مضى عليه عامان ولم يتوقف، بينما الليرة اللبنانية استطاعت وضع حدّ لتراجعها واستقرّت منذ سنة و 7 أشهر على سعر واحد، بإدارة مصرف لبنان الذي يدير السياسة النقدية في البلاد”.

 

يتعاون مصرف لبنان مع وزارة المالية للسيطرة على الكتلة النقدية المتداولة في السوق. فوزارة المالية تحصّل إيراداتها بالليرة اللبنانية من التجار والمؤسسات. وعندما يبيع مصرف لبنان الليرة من خلال المصارف، يحصل على دولارات في المقابل من الشركات والمؤسسات الشرعية التي يترتب عليها بدورها تسديد الرسوم المستحقة إلى الدولة بالليرة.

 

 

هكذا تدور حلقة الدورة النقدية بين المصرف المركزي و “المالية” في السوق، الأمر الذي “يدوزن” النقد المتداول فيبقى سعر الصرف مستقراً والـ “كاش” في التداول مضبوطاً، علماً أن الدولة اللبنانية تحصّل إيراداتها نقداً أي “كاش”.

 

في الوقت نفسه يشير جباعي إلى أن “من يريد ليرة لبنانية يلجأ إلى مصرف لبنان عبر المصارف ويقدم طلبات، والمصرف المركزي يعرب عن تجاوبه ويوفّر الدولارات، كل ذلك أدّى إلى زيادة احتياطات مصرف لبنان بقيمة 2 مليار دولار”.

 

وبالتالي رغم الحرب الضروس التي شهدها لبنان لفترة شهرين، وحرب الإسناد التي دامت 9 أشهر، بقيت الليرة مستقرّة طالما أن التحويلات من الخارج لا تزال مستمرة وتبلغ نحو 7 مليارات دولار والمواسم السياحية تدرّ عادة نحو 3 أو 4 مليارات دولار، إضافة إلى بعض المشاريع الاستثمارية التي تتدفّق إلى البلاد. هذه الوقائع تثبت أن لا علاقة عضوية لليرة اللبنانية مع الليرة السورية.

 

أسباب انهيار الليرة السورية

 

بالنسبة إلى الليرة السورية، برز قانون قيصر كسبب رئيسي في حصول هذا الانهيار الدراماتيكي لها، إذ قفزت الليرة السورية من 50 ليرة إلى 15 ألف ليرة وصولاً إلى 30 ألف ليرة مع انهيار النظام ثم تحسّنت اليوم إلى 11 ألف ليرة بعد وجود آفاق من المجتمع الدولي لرفع العقوبات عن سوريا.

 

 

وللتذكير، إن قانون قيصر هو مجموعة من مشاريع القوانين التي قدّمها الكونغرس الأميركي ضد الحكومة السورية، لحماية المدنيين. ويستهدف مشروع القانون أيضاً الأفراد والشركات الذين يقدمون التمويل أو المساعدة لرئيسِ سوريا، كما يستهدفُ عدداً من الصناعات السورية بما في ذلك تلك المُتعلِّقة بالبنية التحتية والصيانة العسكرية وإنتاج الطاقة، عدا عن استهدافهِ الكثير من الكيانات الإيرانية والروسية التي تقدّم الدعم لحكومة الأسد التي كانت قائمة خلال الحرب الأهلية السورية، والتي سقطت منذ 10 أيام. سُمِّي مشروع القانون باسمِ قيصر نسبةً إلى شخصٍ قيل إنّه سرّب معلومات وصوراً لضحايا “تعذيب” في سوريا بين عامي 2011 و 2014.

 

 

من هذا المنطلق، يقول جباعي “إن سبب انهيار الليرة اقتصادي ومرتبط بموضوع العقوبات الاقتصادية والشحّ بالتحويلات من الخارج بسبب وجود رقابة صارمة على سوريا. لافتاً إلى أنه في حال كان الأفق إيجابياً كما يُحكى بالنسبة إلى الوضع السياسي، وإذا تمّ رفع العقوبات عن سوريا وألغي قانون قيصر وتحرّرت من الضغوطات الاقتصادية والشحّ في التحويلات من الخارج بسبب الرقابة الموجودة، وساعدت الدول الخارجية البلاد لتسيير القطاع الاقتصادي، فإن قيمة الليرة السورية ستتحسّن بشكل أكبر.

 

 

كل تلك التطوّرات الإيجابية، يستتبعها تعزيز سعر صرف الليرة، والسماح لسوريا بالاستيراد والتصدير، باعتبار أن سوريا تصدّر مواد مهمةً ولديها اكتفاء ذاتي في القطاع الزراعي وبعض الصناعات الوطنية. من هنا إذا استقرّت أو انهارت الليرة السورية فهذا غير مرتبط بالوضع اللبناني”.

 

 

لا خوف على الليرة اللبنانية

 

استنتاجاً، لا خوف اليوم على الليرة اللبنانية من الليرة السورية. فإذا تمّ رفع العقوبات عن سوريا ستتدفّق الدولارات إلى البلاد. وإذا نشطت عمليات الاستيراد والتصدير سيتقلّص الضغط على لبنان الذي كان يستورد جزءاً كبيراً من المنتجات السورية، فيما كان يتم تهريب مواد استهلاكية سعرها “أرخص”، من لبنان إلى سوريا. وسيؤدّي ذلك إلى انتفاء آثار سوريا السلبية على الاقتصاد اللبناني.

 

فعندما “ترتاح”سوريا، يقول جباعي “يتنفّس الاقتصاد اللبناني وخصوصاً أن سوريا اليوم هي أكبر بكثير من لبنان وكانت أقوى منه اقتصادياً إذ لديها اكتفاء ذاتي على الصعيدين الصناعي والزراعي.

 

فالليرة السورية ترتبط اليوم بالمؤشر السياسي والدليل على ذلك تراجع سعر صرف الليرة السورية إزاء الدولار بمجرد انهيار النظام وتسلّم السلطة الجديدة زمام الأمور، إلى 11 ألف ليرة . فكيف بالحري إذا حصلت إصلاحات اقتصادية وسياسية؟ سينخفض سعر الصرف أكثر وتتحسّن قيمة الليرة.

 

 

 

 

 

ماذا عن وضع سعر صرف الليرة اللبنانية في المستقبل؟

 

 

 

في ما يتعلق بمستقبل الليرة اللبنانية المرتقب في العام 2025، يقول جباعي “سيكون حتماً الاستقرار بفعل العوامل المعتمدة من المصرف المركزي الذي ينتظر إعادة الإعمار وتنشيط الحركة النقدية والاقتصادية”. ويتابع: “كل شيء وارد ويعتمد ذلك على المرحلة المقبلة. ولا أعتقد أنه يوجد مصلحة لمصرف لبنان ووزارة المالية بتخفيض سعر الصرف، فالمصلحة تقتضي المحافظة على الاستقرار لاعتبارات نقدية مالية بحت”.

 

 

 

تبقى الآمال اليوم معلّقة على انتخاب رئيسٍ للجمهورية يراعي الشروط الدولية، وتطبيق القرارات الدولية مع حكومة جديدة، وتلقي الدعم المالي لإعادة الإعمار. كلّ تلك النقاط ستصبّ في مصلحة الاقتصاد اللبناني والليرة اللبنانية، فترتفع احتياطات المصرف المركزي الذي يترتّب عليه مهمة تسديد ودائع اللبنانيين.