كثير من التنظير، وقليل من الحقيقة ما استوجب سؤالاً بديهياً هو: لماذا تحوّل لبنان من بلد غني الى بلد فقير؟
لقد كانت البنوك اللبنانية أو القطاع المصرفي اللبناني من أهم القطاعات الاقتصادية في العالم العربي… وكان لبنان الاقتصادي مميزاً بين الدول العربية، وكان اقتصاده يوازي اقتصاد دول النفط… فجأة ومن دون أية مقدّمات أصبح لبنان بلداً فقيراً فكيف؟؟؟
بكل بساطة، جاءت الى السلطة طبقة سياسية فاشلة على جميع الأصعدة، وصار رجال الدين يتحدثون بالاقتصاد، والأهم من هذا وذاك رُكّبَتْ إدارة سياسية فاشلة ليس لديها خبرة في الادارة… وهنا لا نتحدث عن وهم، بل عندنا حقائق لو توقفنا عندها لاكتشفنا ما حصل، ولماذا حصل كل هذا؟
نبدأ بشركة طيران الشرق الأوسط، تلك الشركة التي كانت من أهم الشركات في العالم العربي في الخمسينات والستينات.. وبالمناسبة مثلاً لم يكن في قطر أو البحرين أو الإمارات العربية شركات طيران خاصة بها بل كلها جاءت بعد «ثورة» النفط في الستينات.
اثناء الحرب الأهلية التي بدأت عام 1975.. بدأت مشاكل الشركة حيث استغلت السلطة السياسية الأوضاع لِتُعَيّـن موظفين ميزتهم الوحيدة انهم تابعون للزعيم «الفلاني»، وبعدها تفاقم الأمر.. في التسعينات. هنا بدأت الخسائر حيث صار عدد الموظفين ضعفي العدد المطلوب مع عدم تحديث اسطول الطائرات وحتى الوصول الى طائرات غير صالحة للطيران.. وتمّ تعيين الاستاذ محمد الحوت في التسعينات حيث بدأت رحلة الاصلاح.. وكان أول عمل قام به عدم تحميل الشركة أي موظف إضافي ليس له عمل في الشركة… وهكذا استغنى عن نصف الموظفين في الشركة.
ثانياً- استأجر طائرات حديثة لفترة محدّدة مع اتفاق، على شراء تلك الطائرات بعد مدّة معيّنة، وهكذا استطاع بعد فترة قصيرة أن يحوّل الاستئجار الى تمَلّك حيث أصبحت الشركة اليوم تملك 30 طائرة حديثة تابعة لها.
والأهم من ذلك أنّ الشركة كانت تخسر 100 مليون دولار سنوياً في عام 1990 فأصبحت تربح 100 مليون دولار.
مثلٌ ثانٍ: شركة الريجي، إذ عندما تسلمها المهندس ناصيف سقلاوي تخلّى عن 2000 موظف وأبقى فقط على ألف، فتحوّلت الى شركة مربحة تقدّر أرباحها بمئات الملايين سنوياً، والأهم أنّ الـ2000 موظف الذين استغنى عنهم أسّسوا بتعويضاتهم أربع شركات: واحدة للصيانة، وثانية للتنظيف، وثالثة للنقل.
لقد ذكرت هذين المجالين لأعطي فكرة كيف يمكن أن تتحوّل دولة غنية الى دولة فقيرة..
باختصار، الفائض الكبير في التوظف هو الذي ركّب المليارات من الديون، والحقيقة أنّ هذا وحده لا يكفي، كي نكون منصفين… فهناك سبب ثانٍ إنه سوء الادارة.. فعلى سبيل المثال ما جرى في شركات «الموبايل» عندما تسلم الصهر وزارة الاتصالات… كما أنّ هناك سبباً ثالثاً هو عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
وأسوأ ما تعرضت له الوزارات هو تعيين الصهر وزيراً للطاقة ما أدى فشله هو وجماعته لارتفاع الدين العام الى 65 مليار دولار وبسبب سوء الادارة وعدم اقتناص الفرص ارتفع الدين أكثر. ومثال على ذلك الاتفاق مع الصندوق الكويتي الذي رفضه الصهر، رغم ان الاتفاق كان سيعطي كهرباء 24/24 من خلال بناء المعامل وتقسيط التكاليف على 25 سنة مع 5 سنوات «سماح».
وبسبب فشل الحكم في إيران، وبسبب صرف الأموال التي تجنيها الدولة الايرانية من بيع النفط، ذهبت تلك الأموال الى مشروع التشيّع أو الى مشروع ولاية الفقيه.. فعلى سبيل المثال، «الحزب العظيم» كلف إيران لغاية اليوم أكثر من 70 مليار دولار. هذا غير مشروع الحوثيين الذي وصلت تكلفته الى 50 ملياراً. وباستثناء العراق، فإنّ للعراق حسابات ثانية، إذ في عهد المالكي كان قائد «فيلق القدس» يبيع النفط العراقي من أجل شراء الاسلحة ليوزّعها على الميليشيات في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن.
باختصار، فشل الدولة الاسلامية بالاهتمام بالاقتصاد الايراني وتحويل إيران من دولة تملك مصنعين لإنتاج السيارت: مصنع بيجو ومصنع رينو.. وتغيّر الاقتصاد الحر الى اقتصاد الدولة. لقد أثبتت الوقائع أنّ النظام الحر هو نظام ناجح والنظام الموّجه هو اقتصاد فاشل.. وهذا موجود في العالم العربي. انظروا الى السعودية ودول الخليج، وانظروا الى سوريا والعراق واليمن ولبنان، كلها دول صارت فاشلة.
ولكي يتحوّل لبنان شبيهاً لإيران وسوريا والعراق واليمن يجب القضاء على النظام الاقتصادي الحر فيه… وهذا ما حصل بالفعل.