منذ نحو ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، يحاول الإقتصاد اللبناني ومؤسسات القطاع الخاص، وسيدات ورجال الأعمال والرياديون إدارة الأزمات المتوالية والمتراكمة والمستعصية، التي تضرب لبنان وتهزّه، وتعصف باقتصاده، وتوازنه الإجتماعي. لكن لا يُمكن الحديث عن إدارة الأزمات على المديين المتوسط والبعيد، لأن هذه الهزّات أصبحت من صلب حياتنا اليومية.
يجب ألاّ ننسى أو نتناسى، أن لبنان واجَه في السنوات الثلاث الماضية، ثلاث أكبر أزمات في تاريخه وتاريخ الكون:
الأزمة الأولى التي لا نزال نعيشها وندفع ثمنها، وهي أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية ومالية ونقدية، والتي لا تزال تتفاقم يوماً بعد يوم، أو بالأحرى ساعة بعد ساعة، والنزف مستمر.
الأزمة الثانية التي هزّت العالم وسائر اقتصاداته، هي جائحة كورونا (كوفيد-19)، والتي لا يزال العالم يُبلسم جروحاتها، وإعادة هيكلة كل اقتصاداته، واستراتيجياته، والتحالفات، فيما نواجه منافسة لإدارة العالم الجديد، وندفع ثمن التشنّجات والصراعات الداخلية للقيادة الجديدة.
أما الكارثة الثالثة، فهي لا شك انها ثالث أكبر انفجار في تاريخ العالم، والتي نسفت عاصمة لبنان، ودمّرت البيوت والأحلام، وما تبقى من الثقة والصمود والمثابرة.
في ظل هذه الأزمات المتتالية، يُحاول رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين، القيام بإدارة هذه الأزمات والخضات الدراماتيكية، ونفخر بأن بعض القطاعات إستطاعت المواجهة، وحتى اليوم إعادة البناء والتطوُّر والإنماء من جديد.
لكن علينا أن نُشدّد على أن إدارة الأزمات ينبغي أن تكون على المدى القصير، لكن عندما تطول الأزمة لا نستطيع أن نتحدث بعدئذ عن إدارة الأزمات التي أصبحت في صلب أرضيتنا وبيئتنا وحياتنا اليومية، فعلينا أن نُحوّل استراتيجيتنا إلى الإدارة والتطور في صُلب الأزمة وفي ظل البيئة المتغيّرة والمتأزّمة. فهناك مسؤولية كبيرة على الطلاب والرياديين وقياديي الشركات بتكيّف أفكارهم وابتكار الإستثمارات واكتشافها.
الإستراتيجية الإدارية التي نقترحها مبنيّة على ثلاثة أركان هي: التطوير، والتنويع والتفويض، في ظل الأزمات، التي ينبغي اعتمادها، لأن أفضل هجوم مضاد هو الهجوم الإستراتيجي والمدروس والمُخطط.
التطوير، وفق الإستراتيجية الأولى، يبدأ بتكيُّف الأفكار والإدارة والريادة. وعندما نتحدث عن التطوير، نعني تطوير الأسواق، والسلع، والموارد والوجود الجيوغرافي. فالتطوير في البيئة المتغيّرة، يسمح على المدى القصير بوقف النزيف، ومواجهة الصعوبات، لكن في المدى المتوسط والبعيد، يسمح بالإنماء من جديد.
أما الإستراتيجية الثانية المعتمدة على التنويع، فتركّز على تنويع الأسواق أيضاً، والسلع، والخطط والإستراتيجيات، والمعارف، والخبرات، للتخفيف من المخاطر، وبناء أركان جديدة، وأسس لإنماء جديد في هذا العالم المتغيّر.
أما الأولوية الثالثة، فتكمن في استقطاب أهم الموارد البشرية أو بالأحرى استقطاب أفكارها الخلاّقة، والمبتكرة، والمبدعة، وتفويضها قسماً كبيراً من الإدارة، وخلق التآزر بين الأفكار والخبرات، وبين أفكار الجيل الجديد وخبرات الجيل القديم، لوضع الحجر الأساس لإعادة الإستثمار والبناء والإنماء الجديد.
في الخلاصة، علينا أن نكون واقعيين وموضوعيين، ونقبل بالحقيقة المُرّة، بأن الأزمة والأزمات باتت في حياتنا اليومية، وفي صُلب بيئتنا المأزومة. فنحن على مفترق طرق، إما الإستسلام للإفلاس التام، وإما المواجهة عبر التطور والتنويع والتفويض، وللإنماء والإستثمار في ظل العواصف، لنكون جاهزين عندما ستشرق الشمس من جديد.