Site icon IMLebanon

الخروج من الأزمة ممكن إذا…!

 

السياسات الاقتصاديّة الجوفاء المعتمدة في لبنان منذ الاستقلال سنة 1943 ساهمت على مرّ العقود في تكريس التشوهات الاجتماعية والمعيشيّة والطبقيّة. وإذا كان البعض يعتبر اندثار النظريات الماركسيّة وخروجها إلى خارج الزمن هو المسار الصحيح، فهذا لا يلغي حتماً مقاربة القضايا الاقتصادية من باب لحظ الفوارق الطبقية الكبرى في لبنان وعدد من البلدان العربيّة.

 

ليس المطلوب الآن الدخول في نقاش نظري معمّق حول السجالات الفكريّة والعقائديّة التي اندلعت بين الشرق والغرب والتي اعتبر الأخير أنّه انتصر بها نتيجة انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقيّة التي كانت تابعة له وتقهقره المدوي، على اعتبار أنّه كان يُمثّل البعد التنفيذي للنظريّة، وهذه مسألة تستحق نقاشاً كبيراً.

 

وليس المطلوب أيضاً الغوص في سياق تحليلات حول النظريّة الرأسماليّة و»نجاحاتها» المفترضة في الغرب مرفقة بأقوى آلة دعائيّة وإعلاميّة حول نجاح هذا الخيار مقارنة بالخيارات الأخرى، وهو الخيار الذي يمقت دور الدولة ويقزّم وظيفتها الاجتماعيّة ولا يسمح لها القيام بواجباتها تجاه الشرائح الفقيرة والمهمشة والمقهورة.

 

ولكن، في ما يتعلق بلبنان الذي يعيش أقسى أزمة ماليّة ونقديّة كبيرة حظيت بتوصيفات قياسيّة من هيئات التمويل الدوليّة لناحية ضراوتها وصعوباتها؛ بات من الواضح أن ليس هناك إرادة جديّة للتغيير أو الاصلاح أو على الأقل وضع القطار على السكة بغية الخروج من النفق المظلم، الذي هو نتيجة حتميّة لرداءة السياسات التي اعتمدت على مدى عقود والفساد الذي استشرى في السياسة والإدارة والاقتصاد والمجتمع.

 

لا تكفي أصوات الاعتراض المتواصلة أن تركن في نقدها حصراً على الدور المتراجع للدولة سياسياّ ودستوريّاً وأمنياً، على الرغم من النتائج الدراماتيكية المتنامية لتلك الكبوات؛ بل المطلوب أيضاً إعادة إحياء النقاش الاقتصادي السليم في البلاد الذي من شأنه أن يصوّب البوصلة ويقترح العلاجات الممكنة، في ظل الظروف الصعبة القائمة وهي ليست علاجات مستحيلة بل متاحة عند توفر القرار السياسي والارادة الوطنية وكلاهما مفقود في هذه اللحظة.

 

في مطلع التسعينات، بعد انتهاء الحرب الأهليّة، عندما كانت البلاد بحاجة إلى كل شيء، وقبل إنطلاق «حقبة» الرئيس الشهيد رفيق الحريري في تشرين الأول/ أكتوبر 1992؛ شكّلت الحكومة لجنة من الخبراء الاقتصاديين الذين عكفوا على دراسة البلاد وقدموا دراسة متكاملة بناء على الواقع القائم والامكانيات المتاحة والفرص المفترضة.

 

طبعاً، تغيّرت الظروف السياسيّة والاقتصاديّة باستلام الرئيس الحريري الحكم وهو الذي كان يملك طموحات كبيرة للنهوض بالبلاد وقد أطلق بالفعل أكبر ورشة إعماريّة في تاريخ البلاد بمعزل عن النقاشات الحامية التي رافقتها، عن غياب سياسة اقتصاديّة واعماريّة واضحة متلائمة مع قدرات لبنان وربطها برهانات خارجيّة لم تشق طريقها إلى التحقق.

 

ومنذ سنوات قليلة أيضاً، تمّ استدعاء إحدى كبريات الشركات الاستشارية الدولية لتقديم دراسة شاملة ووافية عن واقع الاقتصاد اللبناني، وقدمت بالفعل دراسة واضحة بمقترحات محددة للخروج من الأزمة. كما أن عشرات الخبراء من أصحاب الاختصاص يملأون شاشات التلفزة تحليلاً وتمحيصاً ولكن ليس هناك من يكترث عمليّاً.

 

الخروج من الأزمة ممكن ولكن يتطلب توفّر الإرادة السياسيّة. مشاريع الموازنة العامة تكرر نفسها وتفتقد إلى الشق الإصلاحي الذي هو المدخل الحتمي للتغيير. كم هو مؤسف!