Site icon IMLebanon

2006/2024 … القصة الكاملة بالأرقام

 

 

 

 

بصرف النظر عن البُعد الانساني المرتبط بالخسائر البشرية، تحمل الحروب دائما خسائر مادية ومالية واقتصادية. ومع ذلك، لا يمكن الحكم على النتائج النهائية من الناحية الاقتصادية لأي حرب، سوى في اليوم التالي، أي عندما تتضح معالم المرحلة التي ستلي الحرب. ومن هنا، يمكن تقدير النتائج الاقتصادية لحصول حرب شاملة في لبنان، استنادا الى مقارنة بين العامين 2006 و2024.

واقعياً، وبعد مرور 4 سنوات على حرب تموز 2006، كان الاقتصاد اللبناني ينعم بمرحلة نمو استثنائية، لم يعرفها في السنوات الاربع التي سبقت الحرب. وصلت نسبة النمو السنوي في العام 2010 الى حوالي 9%، وهي نسبة مرتفعة جدا قياسا بمعدلات النمو في تلك الفترة في الاسواق الناشئة. هذا المسار السريع في الانتقال من مرحلة الدمار والخسائر، الى الازدهار والنمو الاستثنائي غير المسبوق تسمح بطرح السؤال حول المسار الاقتصادي الذي المتوقّع، في حال اندلعت حرب شاملة.

واقعياً، ما جرى بعد حرب 2006، وفي خلال 4 سنوات، يندرج في اطار ما يُعرف بالنهضة الاقتصادية التي تقود اليها الحروب أحياناً، اذا ما توفرت عناصر عدة، تلي انتهاء الحرب. هذه الظاهرة ليست من عجائب الدنيا السبع، بل هي تستند الى حقائق اقتصادية دامغة عرفتها اكثر من دولة، من ضمنها المانيا بعد الحرب العالمية الثانية، عندما ضخّت الولايات المتحدة الاميركية حوالي 12.4 مليار دولار في الاقتصاد الالماني، وعلى مدى 4 سنوات، ضمن خطة مارشال.

 

في لبنان، توفرت بعد حرب 2006، وفي السنوات الاربع التي تلتها، العناصر التالية:

اولا- خطة “مارشال” عربية، ولو لم تتم تسميتها كذلك، ساهمت في ضخ حوالي 6 مليار دولار في الاقتصاد اللبناني ( بين دعم مالي مباشر ودعم عيني) في ظرف سنتين، أي بمعدل 3 مليار دولار في العام الواحد.

ثانيا- وجود 60 مليار دولار ودائع قابلة للتحريك في المصارف اللبنانية، وقد استعان بها اصحابها وساهموا في تحريك الاقتصاد.

ثالثا- ثقة راسخة في القطاع المالي، سمح للدولة بالاقتراض من الداخل والخارج، لضخ المزيد من السيولة في الاقتصاد. وقد اقترضت الدولة بين 2006 و2008 حوالي 6 مليار دولار.

رابعا- الثقة في القطاع المالي، فتحت الباب امام تدفّف الاموال بسخاء الى المصارف ابان الأزمة المالية العالمية في مطلع العام 2008.

خامسا- ساهمت اجواء الاسترخاء السياسي، والاتفاق الاقليمي في ما عُرف في حينه بالـ”ـس-س”، ووصول سعد الحريري الى السراي نتيجة هذا الاتفاق، باعطاء دفعٍ اضافي للنمو الاقتصادي.

 

وللتوضيح اكثر، نسبة الـ3 مليار دولار التي جرى ضخها في الاقتصاد الالماني سنويا، في خطة مارشال، هي أقل من نسبة الـ3 الى 4 مليار دولار التي ضُخّت في الاقتصاد اللبناني. ولولا الفساد والفارق في النظام، لكان النمو في لبنان في السنوات الاربع التي تلت حرب تموز شبيها بنمو الاقتصاد الالماني الذي ارتفع بنسبة 200% في اربع سنوات، مقابل 90% حققها الاقتصاد اللبناني منذ 2006 حتى 2010.

 

في عودة الى تقييم الوضع الحالي عشية الحرب الواسعة، اذا وقعت، يمكن استخلاص الوقائع التالية:

اولا- لا مساعدات خارجية في اليوم التالي.

ثانيا- لا اموال في المصارف يمكن انفاقها من قبل القطاع الخاص والافراد، او من قبل الدولة عبر الاقتراض من هذه الاموال.

ثالثا- لا ثقة بالقطاع المالي لتوقّع تدفّق أي دولار اضافي.

 

هذا يعني ان الدولة لا تملك قدرات الانفاق، وكذلك القطاع الخاص والافراد، ولا مشاريع “مارشال” عربية او دولية في الافق. والاخطر غياب الثقة والامل بالمستقبل، وهما العنصران الاساسيان في أي نمو اقتصادي.

 

في هذه الحالة، وفي محاكاة براغماتية لما قد يجري في اليوم التالي للحرب اذا اندلعت، سيكون البلد امام مشهد اقتصادي ومالي اسود، لأن العجز عن اعادة الاعمار على مستوى المنازل يعني ازمة نزوح داخلي دائمة وطويلة الامد ستنعكس على مفاصل الحياة الاجتماعية. والعجز عن اعادة تأهيل واعمار البنى التحتية، سيؤدي الى حالة فوضى على مستوى الخدمات، بما سينعكس على مشهد الحياة اليومية للمواطن. كما ان أزمة وجود النزوح السوري ستصبح معقدة اكثر مع غياب فرص العمل وحصول نزوح جزئي للنازحين من منطقة الى اخرى.

 

هذه المشهدية تقود الى واحد من امرين:

1 – دخول البلد في حالة من الانهيار الاضافي وتوسيع مروحة الفقر والهجرة، والغرق في مشهدية الدول الفقيرة المنهارة والتي تبقى في هذه الدائرة عشرات السنوات، مع ما قد يرافقها من فوضى وخلل أمني وما شابه.

2 – اتجاه الدولة، وبالقوة، نحو الاستعانة باموال مصرف لبنان (حوالي 10 مليار دولار) تحت مُسمّى الضرورات تبيح المحظورات، بما يعني سرقة ما تبقى من اموال الناس، والقضاء على ما تبقّى من نذر يسير من الامل بالغد.