IMLebanon

نتائج الانتخابات اللبنانية تكشف المستور في تحالفات «الإخوة الأعداء»

 

 

أحدثت النتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية في لبنان ندوباً في داخل البيت الواحد لا يمكن استيعابها أو السيطرة عليها بسهولة، وشكّلت مفاجأة للمؤسسات المختصة باستطلاع آراء الناخبين التي خالفت في توقّعاتها ما حملته صناديق الاقتراع. وهذا يتطلب من القوى السياسية التي شاركت في المبارزة الانتخابية أن تبادر إلى مراجعة حساباتها والتدقيق في أرقامها، بدلاً من لجوء بعض الأطراف للهروب إلى الأمام برميها مسؤولية إخفاقها في عدد من الدوائر الانتخابية على حلفائها من دون أن تلتفت إلى «حروب الإلغاء» التي دارت بين الأصدقاء – الأعداء الذين ترشّحوا على لائحة واحدة.

فالانتخابات النيابية أدت إلى كشف المستور وفتحت الباب أمام اشتعال الحرائق السياسية بين الحلفاء، وأيضاً بداخل التيار السياسي الواحد، وتحديداً بين المرشحين على لائحة «التيار الوطني الحر» الذين تسابقوا للحصول على الصوت التفضيلي، وإن كان رئيسه النائب جبران باسيل حاول أن يحجب الأنظار عن احتدام الخلاف بين مرشحيه في اليوم الانتخابي الطويل. وركّز في احتفاله بيوم النصر على استهداف خصومه، وأبرزهم حزب «القوات اللبنانية»، مستحضراً في الوقت نفسه حملته على رئيس المجلس النيابي نبيه بري من دون أن يسمّيه؛ ما استدعى رداً من العيار الثقيل من قبل معاونه السياسي النائب علي حسن خليل.

وكان رئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهّاب الأجرأ في هجومه على «التيار الوطني الحر» بقوله، إن تحالفه مع رئيس الحزب «الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان أمّن له الحصول على ثلاثة حواصل في دائرة الشوف – عاليه حقّقت له الفوز بثلاثة مقاعد نيابية، مضيفاً أن رافعة «حزب الله» مكّنته من حصوله على 5 مقاعد، في حين حصل باسيل على 3 مقاعد في عكار من جراء تحالفه مع الأحزاب المنتمية إلى محور الممانعة.

كما أن أرسلان حذا حذو حليفه وهّاب، بإعلانه استعداده لإجراء مراجعة نقدية لحساباته مع الحلفاء قبل الخصوم في إشارة إلى أن حلفاءه لم يحلبوا صافياً معه.

لذلك؛ فإن احتفال باسيل بيوم النصر تحت عنوان أنه يتزعم أكبر كتلة نيابية في البرلمان لم يكن في محله، ليس لأن عدد نوابه انخفض عمّا كان عليه في دورة الانتخابات النيابية السابقة، وإنما لأن حساباته لم تكن دقيقة، وإلا بماذا سيردّ على ما قاله وهّاب؟ وهل سيبقى صامتاً إلى ما لا نهاية؟

ولو أن باسيل قرر أن يدير ظهره لما قاله وهّاب، فإنه لا يستطيع القفز فوق الوقائع التي حملتها الانتخابات في دائرتي المتن الشمالي وصيدا – جزين، والتي إن دلّت فإنها تدل بصراحة على أنه تجاهل عن قصد الحرب التي دارت بين زياد أسود وأمل أبو زيد، والأخرى بين إدي معلوف من جهة، وبين إبراهيم كنعان وإلياس بو صعب من جهة ثانية.

وما ينطبق على باسيل ينسحب على حزب «الطاشناق» الذي سجّل تراجعاً ملحوظاً تمثّل باحتفاظه بثلاثة مقاعد نيابية بخلاف ما كانت عليه حصته في الانتخابات السابقة، مع أنه يدين بالولاء لـ«حزب الله» الذي أمّن له الفوز في زحلة ولنائب رئيس الوزراء السابق إلياس ميشال المر الذي مكّنه بتحالف الحزب مع نجله ميشال المر من الحصول على الحاصل الذي أتاح له الاحتفاظ بالمقعد النيابي لرئيسه هاغوب بقرادونيان.

فحزب «الطاشناق» بات في موقع لا يُحسد عليه ويضطر إلى البحث عن سُترة النجاة للاحتفاظ بتمثيله في البرلمان، رغم أنه كان يشكّل قبل اندلاع الحرب الأهلية في لبنان الرافعة للاّئحة التي يتزعّمها في دائرة بيروت الأولى والتي فازت في إحدى الدورات بالتزكية بعد أن انسحب سليم واكيم لمصلحة رئيس حزب «الكتائب» آنذاك بيار الجميل.

كما أن الحزب بات مضطراً إلى مراجعة حساباته لأخذ العبر من الأسباب الكامنة وراء استنهاض الشارع الأرمني لمصلحة خصومه ولدورة انتخابية ثانية على التوالي والذي سجّل تقدّماً للقوى التغييرية بقيادة بولا يعقوبيان التي فازت بالتحالف مع سنتيا زرازير بمقعدين نيابيين في بيروت الأولى، وهذا ما ينم عن انحياز الشارع لخصومه احتجاجاً على مضي «الطاشناق» بالتحاقه بـ«التيار الوطني الحر» ومن خلاله بمحور الممانعة.

وبالنسبة إلى «حزب الله»، فإنه أخفق في توفير الحد الأدنى للمرشحين المقرّبين من النظام السوري بعد أن صبّ كل جهده لتعويم مرشحي «التيار الوطني» لحاجته الماسة إلى غطائه السياسي في مواجهته لخصومه المطالبين بنزع سلاحه من جهة، ولتحقيق الرقم الأكبر من الأصوات التفضيلية في مبارزته المفتوحة مع حليفه الاستراتيجي حركة «أمل»؛ ما أدى إلى إحداث هوّة بداخل جمهور ومحازبي الثنائي الشيعي، وإن كانت مفاعيلها السياسية ما زالت صامتة من جهة ثانية.

وعليه، فإن التحالف من فوق بين قوى «8 آذار» سابقاً لم يوفّر الحماية المطلوبة لضبط إيقاع جماهيرها ومحازبيها في صناديق الاقتراع، رغم أن بري كان قرر التموضع في الوسط وانضم إليه لاحقاً تيار «المردة» الذي أكد بلسان النائب طوني فرنجية بأنه لن ينضم إليها.

وفي المقابل، فإن الحزب «التقدمي الاشتراكي» حقق تقدّماً ملحوظاً باجتياحه خصومه السياسيين من دون أن ينزعج من وصول ممثلين عن القوى التغييرية إلى البرلمان، في حين أدى تشتُّت الصوت السنّي بعزوف رؤساء الحكومة السابقين ومعهم الحالي نجيب ميقاتي إلى توزّع المقاعد السنّية على عدد من النواب، وإن كانت الحصة الكبرى للقوى التغييرية، مع أن الرئيس فؤاد السنيورة تمايز عنهم بدعمه لائحة «بيروت تواجه» ولوائح أخرى في دوائر طرابلس وزحلة والبقاع الغربي.

لكن، لا بد من الإشارة إلى أن عزوف الرئيس سعد الحريري وتياره عن الترشح لم يسمح لمحور الممانعة بملء الفراغ، وإنما أتاح الفرصة لملئه بالقوى التغييرية على اختلاف انتماءاتها وتعدُّدها، وهذا ما يدحض الاتهامات الظالمة التي كانت تستهدف الطائفة السنية تارة بوجود خلايا «داعشية» في مناطق تواجدها بكثافة وأخرى بتصنيف طرابلس بأنها قندهار ثانية.

وعليه، وإن كان البرلمان الجديد يفتقد إلى حضور المرجعيات السنية، فإن نتائج الانتخابات بقيت تحت سقف الاعتدال والحفاظ على السلم الأهلي بغياب كل أشكال التطرف.