لعلّ لبنان المكان الذي حققت فيه «الجمهوريّة الإسلاميّة» أهمّ نجاحاتها في المنطقة. تؤكد ذلك الإنتخابات النيابيّة المتوقعة في البلد في في الخامس عشر من ايّار – مايو المقبل. تتجه الأمور في لبنان إلى تكريس سيطرة «حزب الله» مجددا على مجلس النواب اللبناني، على غرار ما حدث في العام 2018. وقتذاك، صرح قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني» أن ايران صارت تمتلك أكثرية في البرلمان اللبناني.
بات للإنتخابات النيابيّة اللبنانيّة وظيفة ايرانيّة واضحة. تصبّ هذه الوظيفة جعل لبنان ورقة لدى «الجمهوريّة الإسلاميّة لا اكثر. من هذا المنطلق، لم يعد في استطاعة الإدارة الأميركيّة تجاهل ذلك في أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة من اجل التوصّل إلى صفقة أميركية – ايرانيّة تضمن رفع العقوبات على «الجمهوريّة الإسلاميّة». هل مثل هذه الصفقة ما زالت امرا واردا في ظلّ الظروف التي يمرّ فيها العالم؟
الأكيد ان فلاديمير بوتين خلط كلّ أوراق اللعبة السياسية على الكرة الأرضيّة في ضوء اجتياحه أوكرانيا. لكنّ الأكيد أيضا أنّ الأولويات الأميركيّة تغيّرت، على الرغم من تركيز واشنطن وأوروبا على البحث عن بدائل من النفط والغاز الروسيين.
تخسر ايران في كلّ مكان باستثناء لبنان حيث باتت مؤسسات الدولة كلّها في تصرفّها بدءا برئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يدين بوصوله إلى قصر بعبدا مع صهره جبران باسيل، إلى «حزب الله» ولا شيء آخر غير ذلك. من المفيد العودة بالذاكرة دائما إلى واقع أنّ ميشال عون كان مرشّح «حزب الله» لموقع رئيس الجمهوريّة وأنّ الحزب اغلق مجلس النواب سنتين ونصف سنة… إلى ان اقتنعت كلّ القوى السياسيّة، تقريبا، بأن يكون القائد السابق للجيش اللبناني رئيسا للجمهوريّة…
لعلّ المكان الأبرز الذي سقط فيه المشروع الإيراني، بوضوح ليس بعده وضوح، كان البحرين التي استطاعت بفضل دعم خليجي مباشر الحؤول دون تكرار تجربة «حزب الله» في لبنان. لكنّ العراق يبقى جوهرة التاج للمشروع التوسّعي الإيراني ذي الطابع المذهبي.
على الرغم من مرور تسعة عشر عاما على تسليم إدارة جورج بوش الإبن العراق على صحن فضّة إلى «الجمهوريّة الإسلاميّة»، يتبين أن ليس لدي طهران حلّا سحريا في العراق وان العراق ما زال العراق فيما ايران لا تزال ايران. لا تزال هناك أكثرية في العراق ترفض التبعية لإيران. يبقى افضل تعبير عن هذا الرفض ما آل اليه الوضع العراقي في ضوء الانتخابات النيابيّة الأخيرة في تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي. الحقت تلك الإنتخابات هزيمة بأحزاب ايران في العراق. نجد اليوم أنّ اقصى ما تستطيعه «الجمهوريّة الإسلاميّة»، بعد فقدانها لقاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» وضابط الإيقاع الإيراني في العراق، عرقلة تشكيل حكومة عراقيّة جديدة وانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة…
تبدو السياسة الإيرانيّة في العراق في طريق مسدود. لم يعد العراق ملعبا لـ»الجمهوريّة الإسلاميّة» التي أدخلت في العام 2003 قادة الميليشيات المذهبيّة العراقيّة التابعة لها إلى بغداد على دبابة اميركيّة!
في سوريا فشلت ايران، اقلّه إلى الآن، في الإستفادة من انشغال الروسي في الحرب الأوكرانيّة. تسعى الميليشيات التابعة لـ»الحرس الثوري» إلى سد الفراغ الناجم عن انسحابات روسيّة من مناطق معيّنة، لكنّها ما زالت تواجه تعقيدات متمثّلة في أنّ التحركات التي تقوم بها هذه الميليشيات موجودة تحت رقابة اسرائيلية صارمة. كذلك تقع هذه التحركات تحت المجهر الأميركي. إضافة إلى ذلك كلّه، يتبيّن يوميا أنّ تعقيدات الداخل السوري، خصوصا في غياب ايّ شرعيّة لنظام بشّار الأسد الأقلّوي، لا تسمح لإيران باخذ راحتها في سوريا وذلك مهما أتت بميليشيات مذهبيّة إلى البلد لدعم «حزب الله» و»الحرس الثوري»… ومهما كان الحلف الروسي – الإيراني عميقا. لا افق سياسيا للمشروع الإيراني في سوريا نظرا إلى انّه يقوم على إعادة تشكيل بلد ذي اكثريّة سنيّة اعتمادا على تغيير طبيعة التوزيع الديموغرافي فيه. إلى متى تستطيع ايران وميليشياتها متابعة السير في وهم السيطرة على سوريا… في حين انّ سوريا التي عرفناها انتهت منذ وقت طويل، منذ ما يزيد على عشر سنوات.
ما ينطبق على سوريا، ينطبق إلى حدّ ما على اليمن حيث تبيّن بالوجه الشرعي انّ الحوثيين، وهم أداة لإيران، يمكن ان يهزموا. كانت إعادة تشكيل «الشرعيّة» في مؤتمر الرياض خطوة موفقة. الاهمّ من ذلك كلّه، كانت خطوة اخراج الحوثيين من محافظة شبوة وفكّ الحصار عن مدينة مأرب بواسطة قوات من الوية العمالقة. هذه قوات في معظمها جنوبيّة باتت ممثلة في مجلس القيادة الرئاسي الذي يجسّد «الشرعيّة الجديدة». لولا هزيمة الحوثيين في شبوة لما كانت هدنة الشهرين التي سيتبيّن في ضوئها هل تستطيع ايران اخراج الحوثيين من مأزق أوقعتهم فيه. مأزق الحوثيين ليس عسكريا فحسب، بل هو سياسي واقتصادي وحضاري أيضا نظرا إلى انّ ليس لديهم ما يقدمون لليمنيين سوى خرافات لا ترجمة عملية لها على ارض الواقع.
لم يبق امام ايران سوى لبنان حيث تستطيع الاستقواء على اللبنانيين بفضل سلاح «حزب الله» أوّلا والقانون الإنتخابي الذي وضع أصلا لخدمة الحزب بعدما فُصّل على مقاسه ثانيا وأخيرا.
حسنا، سينتصر «حزب الله» على لبنان واللبنانيين، وهو لا يتقن سوى ذلك. سيظل السؤال المطروح هل لبنان ورقة كافية لها تأثيرها في إدارة اميركيّة تذكّرت قبل ايّام عبر السفيرة في بيروت دوروثي شيا تفجير السفارة الاميركيّة في حيّ عين المريسة البروتي في 18 نيسان – ابريل 1983. ادّى التفجير إلى سقوط 52 قتيلا بينهم بوب ايمز مسؤول منطقة الشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات المركزّية الأميركية (سي. آي. أي) مع معظم المسؤولين عن محطات الوكالة في دول المنطقة. كان لافتا إشارة السفيرة إلى «حزب الله» بالاسم في المناسبة. هل تظنّ ايران أنّ العالم، بما ذلك اميركا، لا يعرف كيف انتصرت على لبنان وكيف تسعى إلى تتويج هذا الإنتصار بقانون انتخابي عجيب غريب يزوّر كلّ مفاهيم الديموقراطية والانتخابات في العالم؟