يراهن مصدر سياسي بارز على أن تعدد الدعوات للإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع ستؤدي حكماً إلى إحداث تبدل في المزاج السني باتجاه خفض منسوب عدم المشاركة في الاستحقاق الانتخابي الذي يرسم خريطة الطريق لإعادة تكوين السلطة في لبنان بدءاً بتشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للحالي العماد ميشال عون، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن تصدر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ومعه جمعية «المقاصد الخيرية الإسلامية» واتحاد العائلات البيروتية لهذه الدعوات لم ينطلق من فراغ، وإنما جاء انطلاقاً من تقديرهم بأن نسبة الاقتراع حتى الساعة ما زالت متدنية وليست بالمستوى المطلوب.
ويلفت المصدر السياسي إلى أن قرار زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بتعليق نشاطه السياسي وعزوفه وتياره عن خوض الانتخابات ترك فراغاً في الدوائر الانتخابية حيث الثقل للناخب السني، مع أنه لم يطلب من جمهوره ومحازبي التيار الأزرق مقاطعتها.
ويؤكد المصدر نفسه أن جمهور التيار الأزرق لم يُظهر حماسة، كما في السابق، للإقبال على صناديق الاقتراع برغم أن هناك مرشحين يدورون في فلك الحريرية السياسية ترشحوا لخوض الانتخابات ومنهم من تقدموا باستقالاتهم من «المستقبل»، ويرى أن هناك ضرورة لعدم إخلاء الساحة وتركها سائبة للذين لديهم مشاريع خاصة يمكن أن تتعارض مع المزاج العام للطائفة السنية، وتؤدي إلى انعدام الحد الأدنى من التوازن، لئلا تقول بأن تمثيلها في البرلمان العتيد سيكون فاقداً للتوازن.
وفي هذا السياق، لا يحبذ السجال الذي اندلع أخيراً بين رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة الداعم للائحة «بيروت تواجه» وللوائح أخرى على امتداد مساحة الوطن، وبين أمين عام تيار «المستقبل» أحمد الحريري على خلفية إخلاء الساحة بقرار الرئيس الحريري بعزوفه عن خوض الانتخابات، ويقول بأن لا مبرر لهذا السجال الذي ينعكس سلباً على الساحة السنية.
ويرى المصدر نفسه أن الدعوات للإقبال على صناديق الاقتراع وعدم مقاطعة الانتخابات ليست معزولة عن النداءات المتتالية الصادرة عن المجتمع الدولي والتي تلتقي مباشرة مع الدعوات التي يطلقها معظم السفراء العرب المعتمدين لدى لبنان والتي عكسها سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري في حفلات الإفطار الرمضانية التي أقامها برغم أنه آثر عدم التدخل في تركيب اللوائح تاركاً للبنانيين القرار في اختيار ممثليهم في البرلمان، كما اختار التوقيت المناسب لعودته إلى بيروت والتي جاءت بعد تسجيلها لدى وزارة الداخلية والبلديات بصرف النظر عن الحملات التي استهدفته من قبل «حزب الله» الذي يتزعم محور الممانعة بقيادة إيران.
ويتهم المصدر السياسي «حزب الله» بأنه يحمل على دور السعودية في تقديم مساعداتها الإنسانية بالشراكة مع فرنسا لمؤسسات تعمل في المجالات الصحية والتربوية وللأسلاك الأمنية والعسكرية.
ويحذر من تدني نسبة الاقتراع في الشارع السني لأن نتائجها ستكون كارثية على التركيبة النيابية التي ستحملها نتائج الانتخابات إلى البرلمان، ويقول بأن النواب الذين سيمثلون الطائفة السنية سيُنتخبون بأقلية سنية وبأكثرية تنتمي إلى الطوائف الأخرى، ما يفقدها دورها الوازن في المعادلة السياسية، خصوصا أن هناك من لا يزال يراهن على تهميشها، مع أن السنة يشاركون في انتخاب أكثر من 85 نائباً من مجموع نواب البرلمان البالغ عددهم 128 نائباً.
ويقول المصدر السياسي إنه من غير الجائز التعامل مع المقاطعة السنية في حال حصولها برغم أنها مستبعدة على أنها شبيهة للمقاطعة المسيحية لأول دورة انتخابية جرت عام 1992 بعد التوافق على اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان وفتح الباب أمام البلد للانتقال من مرحلة التأزم السياسي إلى مرحلة توفير الحلول للأسباب التي كانت وراء اندلاعها.
ويعزو السبب إلى أن المقاطعة المسيحية تزامنت مع دخول البلد في مرحلة الانفراج السياسي على أنقاض الإطاحة بكل المشاريع التي لا تخدم الحفاظ على البلد وتثبيت هويته العربية وتفاعله ومحيطه العربي، فيما تأتي المقاطعة السنية وإن كانت مستبعدة، بشيوع موجة من التفاؤل بأن نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع لن تكون متدنية في ظروف سياسية مصيرية من ملامحها اشتداد الصراع بين مشروعين، الأول تتزعمه قوى المعارضة من تقليدية وتغييرية ويراد منه استرداد سيادة لبنان، والثاني يقوده «حزب الله» بتوفير الحصانة النيابية لسلاحه باحتفاظه وحلفائه على الأكثرية بداخل البرلمان.
ويضيف المصدر السياسي أن الانتخابات النيابية هذه المرة لن تكون كالمرات السابقة، وتأتي في الوقت الذي ينزلق فيه البلد نحو الانهيار بعد أن تعذر على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الالتزام بدفتر الشروط لتفعيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للانتقال بلبنان إلى مرحلة التعافي المالي، إضافة إلى أنه يستعد للدخول في حقبة سياسية جديدة تتجاوز تشكيل الحكومة إلى انتخاب رئيس جديد لن يكون على قياس الحالي العماد عون مهما كانت الاعتبارات وبصرف النظر عن حسابات الأكثرية والأقلية في البرلمان المنتخب.
وعليه فإن التفاؤل بأن تؤدي الدعوات إلى رفع منسوب الاقتراع في الشارع السني تبقى حذرة ما لم تُترجم بكثافة في صناديق الاقتراع، وتؤدي إلى التصدي لمحاولات تهميش السنة في التركيبة السياسية العتيدة وصولاً لقطع الطريق على من يحاول أن يقتطع لنفسه حصة من التمثيل السني في البرلمان، في إشارة إلى «حزب الله» الذي يتناغم مع منافسي المعارضة، أكانت تقليدية أو تغييرية، لإحداث خلل في ميزان القوى لمصلحة حلفائه في الشارع السني، مستفيداً من تعدد اللوائح الناطقة باسم المعارضة لما لها من ارتدادات سلبية لجهة تشتيت الصوت السني بخلاف الدور الذي يلعبه الحزب في توحيد صفوف حلفائه لخوض الانتخابات على لوائح موحدة.
لذلك فإن تعدد اللوائح من لون واحد في الشارع السني في مواجهة «حزب الله» ولوائح حلفائه يمكن أن يُطلق يد الأخير في إعادة تكوين السلطة، خصوصا أنه يقوم بدور المرجعية القادرة على جمع الحليفين اللدودين (حركة أمل والتيار الوطني الحر) تحت سقف واحد، فيما تفتقد المعارضة إلى «المايسترو» السياسي الذي يضغط لدمج لوائحها المتعددة في لوائح موحدة، وهذا ما يؤشر إلى أن البرلمان الموحد سيكون فاقداً للتوازن.